قتل الطالب منذ السابعة صباحا طالبين لإبعاد الانتباه عما تبقى من الجريمة، وانخدعت الشرطة، وحاصرت المبنى الأول الذي قتل فيه الطالبان، وزادت في العدد، وأحضرت الأسلحة، وحشدت القوات. وباقي الجريمة تتم بعد ذلك بثلاث ساعات في قاعة الدرس، حيث اجتمع عشرات الطلاب في الصباح للاستماع إلى الأستاذ الذي أغلق الباب وحصنه حتى لا يهرب أحد. والشرطة ما زالت في المحل الأول، واقعة تحت الخداع ضد أسطورة الشرطة الفائقة العدة والعتاد، والتي قتلت من قبل عشرات المعارضين السياسيين وقادة المظاهرات والاحتجاجات السوداء. وتم قتل ثلاثين طالبا من مسدسين آليين كما يفعل رامبو في العراق؛ من قتل الآمنين، ودك المنازل بمن فيها على من فيها بالطائرات. فاستعراض القوة يشبع غرور النفس، وقتل الأبرياء وتعذيبهم يشبع عقدة الصادية عند الأمريكي، وتلذذه بإيلام الآخرين.
وقبل تنفيذه العملية الانتحارية التي طالما أدانتها أمريكة في العراق، بالرغم من الفرق بين العدوان على الأبرياء في الداخل، ومقاومة العدو المحتل في الخارج، قام القاتل بالتدرب عليها، وسجلها بالصوت والصورة في مجتمع الإعلام حياته، وارتدى لباس رعاة البقر؛ النموذج الأمريكي في استعمال القوة، وإظهار الشجاعة والبطولة الفردية. واعترف أمام أجهزة الإعلام الخاصة به بالجريمة والدافع عليها، مثل أبطال جان بول سارتر وهم يسجلون حياتهم وأفعالهم قبل الانتحار.
هو قدر لا فكاك منه، واختيار أوحد لا بديل عنه. والسبب هو المجتمع الأمريكي الذي لم يترك له خيارا آخر. كانت هناك مائة بليون فرصة لمنع هذه الجريمة وتفادي الحادثة، ولكنه دفع هذا المواطن البريء إلى أقصى مدى، وجهه إلى الحائط. كان يمكن للمجتمع الأمريكي الذي قام على مبادئ الثورة الفرنسية، الحرية والإخاء والمساواة، أن يتمسك بإعلان الاستقلال، ومبادئ الدستور، وبمثل الآباء المؤسسين الأوائل.
كان يمكن للمجتمع الأمريكي أن يدافع عن الحرية في العالم؛ حرية الأفراد وحرية الشعوب، بدلا من الاكتفاء بتمثال الحرية في ميناء نيويورك، وتشدق الإدارة الأمريكية بأنها بغزوها العراق وأفغانستان إنما تدافع عن العالم الحر وقيم الحرية والديمقراطية. كان يمكن أن يشارك باقي الشعوب في ثرواته بدلا من أن يمتلك أقل من 5٪ من سكان العالم نسبة 90٪ من ثروات العالم. كان يمكن أن يساهم في مشاريع تنمية قدرات العالم الثالث، ويقضي على التصحر في أفريقية الذي سببه الرجل الأبيض عندما أخذ من أفريقية أكثر مما أعطاها؛ لأنه يعلم أنه راحل. ويقضي على الجفاف والجوع والأمراض التي تحصد الملايين سنويا في تشاد ومالي وجنوب السودان والصومال وإريتريا وبنجلادش. كان يمكنه أن يقيم السدود، ويبني الجسور، ويشق القنوات لزيادة مساحة الأراضي المزروعة، بدلا من تدميرها كما يفعل في العراق وأفغانستان.
إنها مسئولية المجتمع الأمريكي إذن. هو السبب غير المباشر في اقتراف الجرائم وتلويث دم الشباب بالدماء؛ لأنه تعود على سفك دماء الأبرياء؛ لذلك قرر هذا الطالب الشاب المواجهة وعدم الهروب والفرار، وقرر تخليص المجتمع الأمريكي من مآسيه وشروره وآثامه، كما قرر تخليص أسرته، أبنائه وإخوته، وتحمل أخطاء البشر جميعا كما فعل السيد المسيح؛ فالمسيح يصلب من جديد لأنه يصلب كل يوم في العراق وأفغانستان وفلسطين والشيشان وكشمير وسورية وإيران والسودان، يصلب في الداخل وفي الخارج. وكما تتحمل أمريكة أوزار العالم، فإن هذا الشاب يتحمل أوزار أمريكة في العالم؛ فهو الضحية، وأمريكة الجلاد، وليست أمريكة هي الضحية وهو الجلاد. أمريكة تواجه قدرها في الداخل، كما أن الشعوب تواجه قدرها بالعدوان الأمريكي عليها. وتنتهي الحرية إلى قدرية، وينتهي الاختيار إلى حتمية.
انهيار أمريكي من الداخل هو الذي سيؤدي إلى انهيارها في الخارج. وفاقد الشيء لا يعطيه. العدوان الأمريكي في الخارج يحدث رد فعل بعدوان الأمريكي على مجتمعه في الداخل؛ حتى تذوق أمريكة على يد أبنائها من المرارة التي تسقيها هي للآخرين. إن المجتمع المفرغ من الداخل لا يستطيع أن يكون مصمتا في الخارج، والمجتمع الخاوي من الداخل لا يستطيع أن يكون صامدا في الخارج. وبالرغم من استعمال أمريكة القوة المفرطة في الخارج، وجميع أنواع أسلحة الدمار الشامل، فإن العدم ينخر فيها من الداخل. وقد تقضي النملة في أذن الفيل عليه بإثارته وإثبات عجزه مهما التوى خرطومه وطالت أنيابه.
إن شو، وهو اسم الطالب الضحية، هو نموذج مصغر للمجتمع الأمريكي المدجج بالسلاح لقتل الأبرياء، ولكنه في النهاية يقتل نفسه؛ فيتحول الجلاد إلى ضحية. وكما يقول الإنجيل: «تقتلون بنفس السيف الذي به تقتلون.»
الصهيونية والمحافظة الجديدة
أيديولوجيتان للهيمنة سادتا العصر الحديث؛ الصهيونية للهيمنة على الوطن العربي، بل والعالم الإسلامي في أفريقية وآسيا، وعلى العالم الغربي، أوروبة والولايات المتحدة الأمريكية؛ أي على العالمين القديم والجديد معا. والمحافظة الجديدة للهيمنة على العالم كله، خاصة في أفريقية وآسيا وأمريكة اللاتينية، مصادر الطاقة والثروة الطبيعية والعمالة الرخيصة والاستهلاك. وقد عانى العرب والمسلمون منهما معا. احتلت أوطانهم، واستعبدت شعوبهم، وتابعت نظمهم السياسية، تجد فيهما التأييد الخارجي بعد فقدانها الشرعية الداخلية.
وهناك اتفاق في النشأة والبنية والهدف بين الأيديولوجيتين والدولتين اللتين تبنتهما إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية؛ فقد نشأت كلتا الدولتين على أنقاض شعب آخر؛ الشعب الفلسطيني، وسكان أمريكة الأصليين. تحول الشعب الفلسطيني إلى مجموعة من اللاجئين خارج فلسطين، في المخيمات وفي أوروبة وأمريكة وفي باقي بقاع العالم. وحلت محلهم هجرات يهودية من كل بقاع العالم تحت شعار «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض».
Shafi da ba'a sani ba