الفصل الثالث
أوروبة وأمريكة وإسرائيل
الاستشراق السياحي
1
الاستشراق هو دراسة الغرب لغيره من الحضارات. الغرب ذات، والحضارات الأخرى موضوع. الغرب ملاحظ، والحضارات الأخرى ملاحظ. الغرب دارس، والحضارات الأخرى مدروس. واكب في نشأته صعود الغرب الحديث واحتلاله مكان الصدارة في العالم بعد سقوط غرناطة، آخر مدن الأندلس، وطرد المسلمين واليهود من إسبانية إلى المغرب العربي من حيث أتوا. تمثل فيه منذ البداية روح العنصرية والعداء والاسترداد؛ أي العودة إلى احتلال أراضي الغير بحرا، التفافا حول القارات، فيما سمي بالكشوف الجغرافية، بعد أن فشل برا عن طريق التوجه إلى القلب في فلسطين، والحضارة الإسلامية في آخر مرحلتها الأولى في القرن السادس الهجري. فظهرت فيه منذ البداية أهداف الاستعمار ورؤيته للعالم. بدأه المبشرون والقواد والحكام والمغامرون والمسحورون بالشرق من الغرب حتى الصين، وأنشئوا مجالات للدراسات الحضارية للصين والهند وفارس ومصر والمسلمين، وأخيرا العرب والشرق الأوسط.
وقد تطور الاستشراق في الغرب الحديث. تنوعت أهدافه، وتعددت مناهجه وأساليبه طبقا لتطور مناهج البحث العلمي ومدارس العلوم الإنسانية في الغرب.
بدأ بالاستشراق الديني الذي صاغه بعض المبشرين بعد أن زاروا الشرق أثناء الحروب الصليبية، وتعرفوا على لغات الشرق وثقافاته وعادات شعوبه، وظهر فيهم العداء لهذه الثقافات والشعوب التي أتاها مصاحبا للغزوات العسكرية أو لحملات التبشير.
ولما كان الإسلام هو السائد في الشرق فلم يعترف بالوحي الإسلامي كاستمرار للوحي منذ إبراهيم حتى عيسى، واعتبر هرطقة يهودية مسيحية ظهرت في بلاد العرب، تقوم على الحس والجنس والتعصب والعنف والانغلاق والعبودية والحريم.
ثم تحول إلى الاستشراق التاريخي عندما سادت مناهج البحث التاريخي، وانتشرت المدرسة التاريخية، وسادت النزعة التاريخية في الغرب. كان الهدف هو جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات عن الشعوب والثقافات غير الأوروبية؛ لجمع المعلومات واستخدامها من أجل إحكام السيطرة عليها بعد الغزو العسكري المباشر، وخلق طبقات جديدة متعاونة معه باسم التحضر والتمدن والحداثة والتثقيف، اعتناق المسيحية أولا، ثم الثقافة الغربية ثانيا، حتى ينسلخ المواطن عن دينه وثقافته وشعبه، ويصبح مواليا للغرب وممثلا لثقافة الرجل الأبيض داخل الشعوب السوداء في أفريقية، والسمراء في العالم الإسلامي، الشرق الأدنى، والصفراء في الصين واليابان وكوريا والهند الصينية والفلبين، الشرق الأقصى، بالنسبة لمدى قربها أو بعدها عن القوى الاستعمارية في الغرب الحديث، إنكلترة وفرنسة وإسبانية والبرتغال وبلجيكا وهولندا وأخيرا إيطاليا.
ثم تحول الاستشراق التاريخي إلى استشراق لغوي بالتركيز على اللغة لمعرفة التراث المدون، ولحسن المخاطبة مع الشعوب شفاها، ثم قادت اللغة إلى الأدب، والأدب إلى الثقافة، والثقافة إلى الحضارة بوجه عام. ووضعت القواميس والمعاجم وكتب قواعد اللغة للحضارات الأفريقية والآسيوية؛ فانتشرت ثقافاتها داخل المركز الأوروبي، وأثرت في أدبه وثقافته كما يظهر ذلك في الحركة الرومانسية الألمانية، وتأثرها بسعديا وحافظ والرومي.
Shafi da ba'a sani ba