Fulani Bayin Allah a Misra
العرب البدو في مصر
Nau'ikan
كما عملت الحكومة الحاضرة في مسألة قيد مولوديهم ومتوفيهم وتلقيح الجدري لأطفالهم. ويستخلص من ذلك أنهم لا يتقيدون في استيطانهم بنظام غير نظام المحاكمة على الجرائم، والمداعاة بالحقوق، ووضع وتحصيل الأموال الأميرية (بل أعفتهم منها زمنا في بعض الجهات)، والقيام بما تعهدوا به مقابل ما ذكر، كما سيأتي البيان. وكان لهم عدا تلك الامتيازات الصريحة (بأنفتهم وقوة شكيمتهم) أن لا يضرب رجال الحكومة أحدا منهم أو يهينه بقول أو إشارة.
والباحث في علة هذه الامتيازات يراها مبنية على مطالب النفوس الشريفة التي تأبى الضيم وقد انقادت لطلبها بحكم الطبع والعادة على ما بيناه من أخلاقهم الاجتماعية، وليس فيها شيء من مقاصد الطمع في حق الغير أو الهرب من قصاص الجرائم. ولو كان في نفسهم شيء من ذلك لطلبوا امتيازا في المحاكمات الجنائية والمخاصمات المدنية، ولو طلبوه يومئذ لأجيبوا له، ولأصبحت الحكومة الحاضرة تشكو من جرائه ما تشكوه من جراء امتيازات الأجانب. ولكنهم ما زالوا يتقدمون إلى المحاكم الأهلية مدعين أو مدعى عليهم، وما زال الآثم منهم يقاد إلى المحاكم الجنائية ويقضى عليه بما يقضى به على غيره من العقوبات، وتنفذ عليهم أشد الأحكام، وما نفروا من هذا النظام، ولا قالوا عنه كلمة سوء، ولا شكوا للحكومة منه مهما كانت كيفياته التي تكيف بها. ذلك لأنه ليس من أخلاقهم كراهة العدالة مهما بلغت الشدة في إجرائها ما دام مبدأ عدم إذلال النفس الحرة محترما أما النفس الجارمة فلا يؤلمهم أخذها بجرمها، وليس بصحيح ما يقال من كون اللصوصية خلقا شائعا في العرب حيث لم يقم برهان على هذا القول، ولو أحصي المجرمون منهم لما زادت نسبتهم إليهم عن نسبة المجرمين من كل أمة إليها.
منح الحاج محمد علي باشا للعرب نعمة الاستيطان، وميزهم بما سبق بيانه، وتعهدوا له بما يأتي:
أولا:
إنجاد الحكومة في وقت الحرب بالتجريدات التي تطلبها، بحيث تقدم لهم حاجتهم من الأسلحة والذخائر والمؤن والخيول ودواب الحمل، وتجري عليهم مرتبات محدودة؛ لأنهم في هذه الحالة أسوة بجنودها الذين في خدمتها، فيلزمها تجهيزهم بكل ما يلزم للجندي في ساحة الحرب.
2
ثانيا:
خفر حواجر الجبال ودروبها وتأمين طرقها بدون أي مقابل أو مرتب.
وقصدت الحكومة بسياستها أن تحصل من العرب على هاتين المزيتين، وأن تدرك منهم النتيجة الطبيعية للتوطن؛ إذ ينشغل كل منهم بخدمة أرضه عن الترحل، ويستلذ الإقامة لما ينال من الكسب من الزراعة ويجد من الراحة، وتتنوع أخلاقه فينسى مع الزمن، ومخالطة الأهالي وما يترتب عليها من دواعي المصاهرة ونحوها. تلك الطباع التي تفرق بينه وبينهم، وأن تكفي الأهالي شر غزواتهم دون أن تتكلف شيئا، فضلا عن انتفاعها بقوتهم في محاربة أعدائها، بل كثيرا ما كانت تغري بعضهم ببعض فيقتتلون لمصلحتها كلما اقتضت الحال ذلك.
وقد أخلص العرب النية للرجل وأعقابه، فكانوا خداما أمناء يلبون دعاءهم، ويشدون أزرهم يوم الكريهة، ولا يزال بعض من أفرادهم الذين شهدوا مع إبراهيم باشا حروب الشام والوهابيين على قيد الحياة يذكرون دماء إخوانهم وآبائهم التي أريقت في سبيل تأييد العرش الخديوي، أو توسيع ملكه، وكثير من الذين شهدوا مع خلفائه وقائع السودان والحبشة وما وراءها يحفظون مثل هذه الذكرى.
Shafi da ba'a sani ba