Hankalina da Hankalinka

Salama Musa d. 1377 AH
70

Hankalina da Hankalinka

عقلي وعقلك

Nau'ikan

ونستطيع أن نقول بعبارة أخرى:

إن ضمير المجرم في الأغلب مؤلف من الذات الأنانية العاطفية التي يجري نشاطها الأكبر في الكامنة.

ضمير الرجل العادي في الأغلب مؤلف من الذات الاجتماعية العاطفية أو الوجدانية.

والرجل السامي مؤلف من الذات الوجدانية المثقفة، وإن كانت جذور هذه الذات ترجع إلى الإعجاب بالأب أيام الطفولة واتخاذ أسلوبه باعتباره البطل الذي نحب أن نقتدي به.

ولكن ليس فينا واحد، ولا واحد، إلا وهو مؤلف من الذوات الثلاث التي تتداخل وتندغم في نفسه وتكون له ضميرا، وإذا اختلف أحدنا من الآخر فالاختلاف درجي، وليس نوعيا، في تغلب أو زيادة إحدى الذوات على الأخرى.

وهنا يجب أن نعرف كلمة هي «التسويل»؛ فإن النفس تسول؛ أي: تسوغ أحيانا، نوعا من السلوك المنكر بتعليلات وتدليلات وجدانية، حتى يهدأ الضمير ونقبل على عمل، ما كنا لنقبل عليه لو كان وجداننا سليما وكانت ذاتنا العليا متغلبة على الذاتيين الاجتماعية والأنانية، كما نفعل مثلا حين نقول: إن الغاية تبرر الوسيلة، فنعذب الحيوانات كي نصل إلى استنتاج علمي، أو حين يعمد الطيار في الحرب إلى إلقاء القنابل على المدينة في ظلام الليل فيقتل الرجال والنساء والأطفال، وهو يبرر هذا بأن الوطنية تقتضيه وأن السلم سيتم في النهاية، وكثيرا ما نعمد نحن إلى التسويل في حياتنا العائلية، كما نفعل حين نضرب الأطفال بحجة تعليمهم، مع أن الضرب قد لا يعني في هذه الحال أكثر من تغليب عاطفة الغضب على تعقل الوجدان.

والضمير الحسي عام لا يخلو منه - بل لا يخلو تماما - إلا المجرم المجنون؛ أي: الذي نستطيع أن نعلل جريمته بالنيوروز أو السيكوز، ولكن الضمير العقلي قليل جدا، وهو يحتاج إلى الذات العليا التي ذكرناها؛ فإن أي واحد منا لو طلب إليه أن يقتل إنسانا لرفض، ولكنا لا نبالي قتل الجماهير في الهند، وعندما نقرأ هذا الخبر في الجرائد ننساه بسرعة؛ لأن ضميرنا في الحال الأولى يقوم على الحس، أما في الحال الثانية فيقوم على التصور بالعقل؛ ولذلك يمكن أن نقول: إن هناك الضمير الذكر الذي يتأثر ويتفرز للحوادث البعيدة الغائبة عن الحس، كما أن هناك الضمير البليد الذي لا يتحرك إلا عندما تتحرك الحواس.

المجتمع البشري

كان الناس في فجر البشرية يعيشون في مجتمع بيولوجي؛ أي: غايته سد الحاجات الأولى من طعام وأنثى ومأوى، ولا يزال بعض المجتمعات البشرية يعيش على هذا المستوى، كأولئك الذين يقطنون الغابات ولما يهتدوا إلى الزراعة، وأولئك القانعون بالصيد في بيئة نائية عن الحضارة، وفي مثل هذه المجتمعات يعيش الناس بلا تاريخ؛ أي: يعيشون على المستوى الجغرافي فقط، لم يصلوا إلى المستوى التاريخي، ولا تتجاوز معيشتهم الأعمال التكرارية اليومية، وليس عندهم مما يجمعون ما يمكن أن يتوافر حتى تختزن للجيل القادم، فهم من اليد إلى الفم في جميع حاجاتهم.

ولكن بعد الاهتداء إلى الزراعة وتوافر المحصولات شرع الإنسان ينتج أكثر من حاجاته، وعلى هذا نشأ الرق؛ لأنه ما دام الإنسان لا ينتج أكثر من طعامه فلا فائدة من استرقاقه؛ إذ ماذا نكسب منه؟

Shafi da ba'a sani ba