أحط الأنواع في النشاط العصبي هو الرجع الانعكاسي؛ وبرهان انحطاطه أننا نحس هذا الرجع بلا حاجة إلى المخ؛ فإن حركة القدم من التجميش أو الوخز تحدث بعد قطع رأس الحيوان؛ لأن مركز الإحساس هنا هو الحبل الشوكي «داخل الفقار» وليس المخ.
وأعلى من الرجع الانعكاسي، العاطفة؛ أي: الرجع الغريزي.
وأعلى من هذين، هو الوجدان الذي يؤدي إلى التعقل.
وأقدم الحيوانات، وجميع الأحياء البدائية القديمة - مثل الإسفنج - انعكاسية السلوك، وأقل منها قدما الحيوانات العاطفية (الغريزية)، وأجد الحيوانات هي الوجدانية التي تتعقل ولا تستسلم للعواطف، وأعلاها هو الإنسان.
وهذا نراه في نومنا أو وقت التخدر بالخمر أو غيرها؛ فإن أقدم رجوعنا العصبية هو بالطبع أرسخها في نفوسنا، لا يتزعزع بالنوم أو الخمر، وأجدها هو أكثرها تزعزعا وزوالا في النوم أو الخمر، فنحن في هاتين الحالين نعجز عن التعقل بالوجدان. ولكن الرجع الانعكاسي يبقى حيا؛ كما إذا جمش أحد قدمنا فإننا نسحبها حتى ونحن نيام، بل أحيانا العاطفة تبقى حية فنجد نشاطا جنسيا في النوم، ولكن ليس هناك مكان للوجدان في النوم أو وقت التخدر.
تفكير العاطفة هو مثل الغضب والحسد والأنانية والشره والكراهة، وتفكير الوجدان هو مثل المنطق والهندسة والمروءة والواجب والتبصر والشرف. وحين تملكني العاطفة أكون منفعلا فلا أكاد أفكر كما يحدث عندما أجري من الخوف أو آكل وأنا جائع أو أتشاجر في غضب.
ولكني في الوجدان أوازن بين عاطفة وأخرى، فأقف وأتبصر وأعتمد على المنطق وأروي وأنتقد وأحلل وأؤلف.
الوجدان هو أن أفكر وأعمل وأنا أدري أني أفكر وأعمل، هو كما قال ديكارت، قبل أكثر من 300 سنة: «أنا أفكر؛ ولذلك أنا موجود.»
العاطفة هي أن أنساق في رغبة أو شهوة قسرا أو كالقسر، وأنسى نفسي فلا أكاد أفكر.
الحيوان عاطفي لا يدري بوجوده (= بوجدانه)، وهو ينفعل بعاطفته وينساق بها مضطرا أو كالمضطر في تصرفه. والدنيا مصورة في عقله تصويرا ذاتيا أملته العاطفة، وهو تصوير يخالف الواقع.
Shafi da ba'a sani ba