وأهم المدارس الفلسفية في غير إنجلترا وألمانيا هي مدارس الوجودية الفرنسية على نهجيها من وجودية متدينة ووجودية ملحدة، وهي أخص المدارس الفكرية بالقرن العشرين؛ لأن بواعثها لم تنتشر قط في عصر سابق كما انتشرت فيه، وبواعثها هي طغيان روح الجماعة على استقلال الأفراد، وتفاقم الشرور العالمية وأزماتها الروحية في ضمائر المفكرين، وسنجمل الكلام فيها على حدة.
ولم تخل القارة الأمريكية من دعوات فلسفية في مباحث ما وراء الطبيعة، فنبغ كروتشة
Croce
في إيطاليا وأوشك أن يسيطر على تفكيرها الفلسفي من أوائل القرن العشرين، ونبغ أنامونو
Unamono
في إسبانيا وأوشك أن يضارع كروتشة في مكانته بين الإيطاليين، لولا أن كتابة الفيلسوف الإسباني أقرب إلى الشعر والقصة وأدنى إلى الخيال منها إلى التفكير.
وكاد جوسيا رويس (Josiah Royce)
أن يستوي وحده في أمريكا الشمالية على مدرسة الفلسفة التي تبحث فيما وراء الطبيعة، بل كاد في هذه المباحث أن ينحى مذهب وليام جيمس الذي توفي قبله ببضع سنوات؛ لأن وليام جيمس قد اكتفى بفلسفة النتائج والذرائع (أو البرجمية) ولم يوغل في مباحث ما وراء الطبيعة.
وليست هذه الآراء والمذاهب مستوعبة لفلسفة ما وراء الطبيعة في تلك الأمم، ولكنها في زبدتها مثال صالح لاتجاه العقول والنفوس الذي لا تنحرف الأفكار العامة عنه بعيدا، وإن تمثلت على تفاوت بينها في عقائد الأفراد، كما يتفاوت الأفراد عادة في مسائل الفهم والشعور.
وزبدة الفلسفة التي بسطها كروتشة في تصنيفاته الكثيرة هي نفي المادية وتغليب الفكرة الخالقة على عوامل الكون والحياة، فليس في الكون حقيقة أبدية غير العقل الإلهي، وخلود النفس عنده معناه أنها جزء من حقيقة الكون في أعماقه، تتراءى في صور المادة ثم تخلفها صور أتم منها وأكمل وأعلى إلى غير انتهاء.
Shafi da ba'a sani ba