أما مذاهب التطور الانبثاقي أو التطور المنبثق وسائر المذاهب التي تمت إلى النشوء والارتقاء فلها شراح كثيرون، وهي مذاهب واسعة الآفاق يدخل فيها حتى مذهب الزمانية والمكانية الذي يذكر باسم صمويل ألكسندر، وكل شراحه من أقطاب الفلسفة في اللغة الإنجليزية أمثال ويتهيد ومورجان وسمطس، وكلهم يؤمنون بوجود القوة الإلهية على اختلاف في تصوير علاقتها بالكون والإنسان، ومنهم من يؤمن بقدم الأشياء جميعا وحدوث تراكيبها وأطوارها، ويكل إلى الله تدبير الخلق وإخراج الأطوار والتراكيب من بسائطها الأولى، ومنهم من يعتبر كل موجود مركب كائنا عضويا لأنه كالجسد الحي في ضرورة تركيبه وتماسك أجزائه، ويعتبر الحياة تركيبة مميزة بين هذه الكائنات العضوية، والمهم في هذه الفلسفات بالنظر إلى موضوع رسالتنا عن عقائد المفكرين أن وجود الله لازم فيها لتفسير كل موجود، وأن أصحابها مؤمنون فلسفيون، وإن لم يكونوا مؤمنين بالديانة «الرسمية».
وقد أجمل كولنجود (Collingwood)
موقف الفلسفة من العلم في البلاد الإنجليزية فقال في كتابه «فكرة الطبيعة» (The Idea of Nature)
إن العلماء الطبيعيين «بعد أن تتبعوا نظرياتهم عن المادة إلى حيث تنكشف حدود العالم الطبيعي وتنكشف حاجته إلى الاعتماد على غيره أطلقوا الاسم القديم - اسم الله - على ذلك السند الذي يعتمد عليه، وأن اللجوء إلى هذا الاسم يقابل بالترحاب؛ لأنه يظهر مدى تحرر الفكر الحديث من أوهاق المثالية الذهنية، لا لأنه يبشر برتق الطبيعة بين الدين والفلسفة، ولا لأنه يومئ إلى إحياء التقاليد الفلسفية القديمة على سنن أفلاطون وأرسطو وديكارت وكفى.»
ومن رأي كولنجود في هذا البحث أن المادية لم تزل منذ ظهرت في القرن السابع عشر محاولة لم تصل إلى محصل، ولم يزل ربها - أي الكون المادي - إله خوارق وأعاجيب تخفى على العقول، وأنها تعلق رجاءها على الغيب عسى أن يجلو الزمن أسراره مع تقدم العلوم، وأنها بمثابة من يكتب صكوكا ضخاما على رصيد غير موجود، وأن زعمها أن الفكر إفراز من الدماغ كإفراز الصفراء من المرارة قد يحسب من تصديقات المتدينين ولكنه في نظر العلم إنما هو تمويه وتهويش. ويتهكم كولنجود ببعض دعاة المادية الأسبقين فيقول: إنك لو بدلت كلمة هنا وكلمة هناك من كلامه عن المادة لسلكتها في عداد الصلوات.
وفي عالم الفلسفة الإنجليزية أناس مثل كولنجود يسمع حكمهم في المسائل الفلسفية ولا يسلكون بين أصحاب المذاهب والمدارس، وقيمة آرائهم أنها آراء مستقلين لا يعنيهم ترويج هذا المذهب أو ذاك ولا يحاسبون على أفكارهم المتفرقة بحجج المؤمنين ولا بحجج المنكرين، وهؤلاء النقدة الفلسفيون هم ميزان الآراء بين المدارس الفلسفية والعلمية، ومن هذا الميزان يتبين أن الفلسفة المادية في هذا العصر أضعف من أن تهاجم العقيدة في معقل أو في مقتل، وأنها قد تراجعت من الهجوم المتلاحق إلى الدفاع الذي لا يعززه دليل مقبول.
من هؤلاء النقدة الفلسفيين غير كولنجود أستاذان لا يقلان عن أقطاب المذاهب، ولا يعيبهما أنهما لا يشتركان في مباحث الفلسفة بمذهب ينسب إليهما. بل لعل هذا مما يشهد لهما بأمانة العلم والحيدة بين البراهين والأسانيد التي تتساوى عندهم في القوة والإقناع.
هذان الناقدان هما الأستاذ برود (Broad)
والأستاذ جود (Joad)
وكلاهما من أساتذة الفلسفة والأخلاق وعلم النفس وأصحاب التواليف المحترمة في هذه الموضوعات.
Shafi da ba'a sani ba