93

يداوم كنديد على أسفاره، مغامرات جديدة

سار كنديد طويلا من غير أن يعرف أين يذهب، وأخيرا عزم على قصد الدنيمارك، حيث تسير الأمور على ما يرام كما سمع، وكان حائزا قطعا قليلة من النقود، قدمها الأرمني إليه، فطمع أن يرى خاتمة رحلته بهذا المبلغ الضئيل، ويجعل الأمل بؤسه محتملا، فيقضي أويقات طيبة، ويكون في فندق - ذات يوم - مع ثلاثة سياح، فيحدثونه بحرارة عن الهيولى والمادة اللطيفة، فيقول في نفسه: «حسنا، هؤلاء فلاسفة»، ويقول لهم: «إن الهيولى أمر لا مراء فيه يا سادتي، فلا فراغ في الطبيعة، ويمكن تصور المادة اللطيفة جيدا.»

ويقول له السياح الثلاثة: «إذن، أنت على مذهب ديكارت.»

ويقول كنديد: «نعم، وعلى مذهب ليبنتز أكثر من ذلك.»

ويجيبه الفلاسفة قائلين: «يا لسوء ما أنت عليه! إن ديكارت وليبنتز خاليان من حسن التمييز، وأما نحن فعلى مذهب نيوتن، ونفاخر بهذا، وإذا كنا نتجادل فلتقوية مشاعرنا أحسن من قبل، فكلنا على رأي واحد، ونحن ننشد الحقيقة، مقتفين أثر نيوتن، عن قناعة بأنه رجل عظيم ...»

ويقول كنديد: «قولوا مثل هذا عن ديكارت وليبنتز وبنغلوس، فهؤلاء العظماء يساوون غيرهم.»

ويجيب الفلاسفة قائلين: «أنت وقح يا صديقنا، أتعرف سنن الانحراف والجاذبية والحركة؟ أقرأت الحقائق التي رد بها الدكتور كلارك على أوهام ليبنتزك؟ أتعلم معنى القوة الدافعة والقوة الجاذبة؟ أتدري أن الألوان تتوقف على الكثافات؟ ألديك بعض الاطلاع على نظرية الضياء والتجاذب؟ أعندك وقوف على دور ال 25920 سنة، الذي لا يطابق تاريخ الحوادث؟ كلا، لا ريب، إذ ليس عندك غير أفكار مختلة عن هذه الأمور. إذن، صه أيتها الذرة الحية الحقيرة، واجتنب شتم العمالقة بقياسهم بالأقزام.»

ويجيب كنديد: «لو كان بنغلوس هنا يا سادتي، لحدثكم عن أمور رائعة؛ وذلك لأنه فيلسوف عظيم، وهو شديد الازدراء لنيوتنكم، وبما أنني تلميذ له، فإنني أكون على رأيه أيضا.»

ويشتاط الفلاسفة غيظا، فينقضون على كنديد، ويضربونه ضربا مبرحا فلسفيا جدا.

ويذهب عنهم الغضب، ويطلبون عفو بطلنا عن شدتهم، وهنالك يتناول الكلام أحدهم، ويحسن القول عن الحلم والاعتدال.

Shafi da ba'a sani ba