ونقلت المجلة القبطية في العدد السادس من السنة الثالثة تعليقات من حواش مخطوطة على جداول البطاركة، جاء في إحداها:
إنه كان في أيام الأب بنيامين أن ملكت العرب أرض مصر، وكان دخولهم إليها في ثاني بئونة سنة 333، وكان المقوقز جريج بن مينا الهراطيقي نائب هرطاقة هرقل بالديار المصرية، يطلب ويضطهد على الموافقة له على أمانة لاوون الفاسدة، وظفر بأخيه مينا وأنزل به عقوبات عظيمة وغرقه.
وهذه الفقرة لا ترجح شيئا كما ترجح انتماء المقوقس إلى مصر؛ لأنه نشأ في بيت يسمي أبناءه باسم مينا، ويتسمى هو وأخوه بهذا الاسم الواحد، مع التفرقة بينهما في اللقب أو الكنية، وهذه التسمية تقليد وطني لم يؤثر مثله عن أحد من الرومان الشرقيين أو الغربيين. •••
وممن أرخوا هذه الفترة: أبو المكارم سعد الله بن جرجس بن مسعود من أبناء القرن الثاني عشر، وهو يقول عن إقليم البحيرة: «إن بحيرة الإسكندرية كانت مزروعة كروما جميعها لامرأة جريج بن مينا مقوقس الروم، وكانت تستأدي خراجها خمرا، فكثر عندها، فطلبت دنانير ذهب فلم يحصل لها من الخمر ما طلبت؛ لأنه كان موجودا عند الناس وما يجدون من يشتريه، فكرهت هذا فغرقت البحيرة بالماء، ولم تزل كذلك حتى استنبطها بنو العباس، وهم المسودة وإنهم سدوا جسورها ومنعوا الغرق.»
والمهم في هذه الفقرة هو تسمية المقوقس باسم جريج بن ميناء، وهي التسمية المصرية التي لم تعهد في أسماء الرومان أو الروم.
وجاء في تاريخ ابن البطريق هو من الملكيين المعارضين للكنيسة الوطنية: إنه في أول خلافة أبي بكر: «صير سرجيوس بطريركا على الإسكندرية أربع سنين، فلما سمع أن المسلمين غلبوا الروم وفتحوا فلسطين، وأنهم سائرون إلى مصر ركب البحر وهرب إلى القسطنطينية، فبقي كرسي الإسكندرية بعده بلا بطريرك ملكي سبعا وتسعين سنة. ولما هرب صير بعده كورش - أي فيرس - بطريركا على الإسكندرية، وكان مارونيا على دين هرقل، وكان بالإسكندرية رجل راهب يسمى صفرونيوس، فأنكر صفرونيوس مقالة كورش؛ لأنه كان يقول: إن لسيدنا المسيح طبيعتين بمشيئة واحدة وفعل واحد، وأقنوم واحد، وهي مقالة مارون، فسار صفرونيوس إلى كورش فناظره ... فقال له كورش بوقاحة: إن أنوريوس بطريرك رومية وسرجيوس بطريرك القسطنطينية موافقان لي على هذه المقالة ... فخرج صفرونيوس إلى القسطنطينية فقبله سرجيوس بطريركها، وقص صفرونيوس عليه ما كان بينه وبين كورش، فعجب سرجيوس من ذلك، فلما كان بعد مدة قدمت هدايا من كورش إلى سرجيوس، فانصرف عن رأيه وصار مخالفا لصفرونيوس موافقا لكورش ... ثم إن صفرونيوس صيروه بطريركا على بيت المقدس، فكتب صفرونيوس كتابا في الإيمان وبعث به إلى جميع الآفاق، فقبله أهل الدنيا في السنة الثالثة من خلافة عمر بن الخطاب ...»
إلى أن قال عن عمرو بن العاص: «... ثم سار إلى مصر وكان الروم قد تحصنوا في الحصن، وخندقوا حول الحصن خندقا، وطرحوا فيه سككا من الحديد، فقاموا يقاتلونهم قتالا شديدا ستة أشهر، فلما أبطأ الفتح عليه كتب عمر بن الخطاب يستمده فأمده بأربعة آلاف رجل، منهم الزبير بن العوام، وعبادة بن الصامت، ومسلمة بن مخلد، وكان مع عمرو أربعة آلاف، فصار في ثمانية آلاف، وكان العامل على الخراج بمصر رجلا يدعى المقوقس من قبل هرقل، وكان يعقوبيا مبغضا للروم إلا أنه لم يكن يتهيأ له أن يظهر مقالته لئلا يقتله الروم، وكان أيضا قد اقتطع أموال مصر في وقت حصار كسرى القسطنطينية، وكان يحاذر من هرقل الملك أن يقع في يده فيقتله، فاحتال على الروم، وقال لهم: إن العرب قد جاءهم مدد وليس لنا بهم طاقة، ولا نأمن أن يفتحوا القصر فيقتلونا، ولكن نسد أبواب الحصن ونصير عليه مقاتلة، ونخرج من القصر إلى الجزيرة فنقيم فيها ونتحصن بالبحر، فخرج الروم ومعهم المقوقس وجماعة من أكابر القبط من باب القصر القبلي، ودونهم جماعة يقاتلون العرب، فركبوا المراكب ولحقوا بالجزيرة موضع الصناعة اليوم، وقطعوا الجسر، وكان ذلك في جري النيل ...
ثم أرسل المقوقس إلى عمرو بن العاص يقول له: إنكم قوم قد ولجتم بلادنا ولججتم على قتالنا، وطال مقامكم بأرضنا، وقد أحاط بكم هذا النيل، وإنما أنتم أسارى في أيدينا ... فابعثوا إلينا رجلا منكم لنسمع كلامكم، فلعل يأتي الأمر فيما بيننا وبينكم على ما تحبون ونحب، وينقطع عنا وعنكم هذا القتال، فلما أتت رسل المقوقس عمرو بن العاص وجه معهم بعبادة بن الصامت، وكان عبادة أسود فلما دخل على المقوقس أدنى مجلسه فقال المقوقس له: ما الذي تريده منا؟ بينه لنا، فقال له عبادة: أن ليس بيننا وبينكم إلا إحدى ثلاث خصال، فاختر أيها شئت، وبذلك أمرني بها الأمير وأمير المؤمنين: إما أن تدخلوا في الإسلام فكنتم إخوتنا وكان لكم ما لنا ورجعنا عن قتالكم، ولم نستحل أذاكم، فإن أبيتم فأدوا لنا الجزية نرضى بها ونحن وأنتم في كل عام أبدا ما بقينا وبقيتم، ونقاتل عنكم من ناوأكم وتعرض لكم في شيء من أراضيكم ودمائكم وأموالكم، ونقوم بذلك عنكم إذا كنتم في ذمتنا وكان به عهد علينا، فإن أبيتم فليس بيننا وبينكم غير المحاكمة بالسيف حتى نموت عن آخرنا أو نصيب ما نريد منكم، فقال المقوقس: فإما الدخول في دينكم فهذا ما لا يمكن، وأما الصلح فقد رضيت أنا ذلك لنفسي ولأصحابي القبط، وامتنع الروم أن يجيبوا إلى الصلح وقالوا: لا نفعل ذلك أبدا، وإنما فعل المقوقس هذا مكرا منه وخديعة حتى أخرج الروم من الحصن، ثم رضي بالصلح ليسلم له ما أخذ من المال ... فرجع عبادة بن الصامت فأخبر عمرا بجميع ما كان، ثم إن المسلمين لما علموا أن ليس في الحصن من المقاتلة إلا نفر يسير، ناهضوا القتال من ناحية سوق الحمام اليوم، فرموا الحصن بالمنجنيقات والعرادات، ثم إن الزبير وضع سلما إلى جانب الحصن من سوق الحمام، ثم صعد، فما شعروا إلا والزبير على رأس الحصن، فكبروا وتحامل الناس على السلم، فخلا الروم عن القتال، وركبوا المراكب ولحقوا بالجزيرة إلى أصحابهم، وفتح المسلمون الحصن، فقتلوا وأسروا وغنموا، فلما نظر الروم ما فعل بهم المقوقس، وكيف أنه خدعهم وأخرجهم من الحصن وسلمه إلى المسلمين، خافوا ناحيته فتركوه وركبوا البحر وعسكروا بكوم شريك، واجتمع المقوقس مع عمرو بن العاص على عهد بينهما، واصطلحا على جميع من بمصر أسفلها وأعلاها من القبط، ديناران ديناران على كل نفس، شريفهم ووضيعهم ممن بلغ الحلم منهم، وليس على الشيخ الفاني ولا على الصغير الذي لم يبلغ الحلم ولا على النساء شيء، وأحصى عدد القبط يومئذ، خاصة من بلغ الحلم، وأخذت منهم الجزية، وفرض عليهم الديناران، رفع ذلك بالأيمان المؤكدة، فكان جميع من أحصى بمصر أعلاها وأسفلها من جميع القبط الذين أحصوا وكتبوا، فكانت فريضتهم في ذلك الوقت: اثني عشر ألف ألف دينار كل سنة.
ثم أقبل المقوقس إلى عمرو فقال له: أما الروم فإني منهم بريء وليس دينهم ديني، ولا مقالتي مقالتهم، وإنما كنت أخاف منهم القتل، فكنت أستر مقالتي وأكتم ديني، وأنا أطلب إليك أن تعطيني ثلاث خصال، فقال عمرو: وما هي؟ قال: لا تنقصني عن القبط، وأدخلني معهم وألزمني ما ألزمتهم، فقد اجتمعت كلمتي وكلمتهم، وأنا متمم لك على نفسي والقبط متممون لك على الصلح الذي صالحتهم عليه وعاهدتهم، والثانية: إن سألك الروم بعد اليوم الصلح، فلا تصالحهم حتى تجعلهم عبيدا وإماء؛ فإنهم أهل لذلك. والثالثة: إن أنا مت فأمر أن أدفن في كنيسة حنس في الإسكندرية ... فأنعم عليه عمرو بذلك على أن ضمنوا له إصلاح الجسرين جميعا ويقيمون الأنزال، وصاروا لهم أعوانا على ما أرادوا من قتال الروم، ومضى عمرو ومن معه حتى لقي جميع الروم بكوم شريك،
3
Shafi da ba'a sani ba