42

Dan leƙen asiri: Labari Mai Sauƙi

العميل السري: حكاية بسيطة

Nau'ikan

فكر المفوض المساعد بينه وبين نفسه، ووجهه قريب من زجاج النافذة: «رهيب، يا له من أمر رهيب! إننا نكابد هذه الحال منذ عشرة أيام؛ كلا، بل منذ أسبوعين، نعم أسبوعين.» توقف عن التفكير تماما لبعض الوقت. استمر هذا السكون التام لدماغه قرابة ثلاث ثوان. ثم قال بملل: «هل أجريت تحقيقات سيرا على الأقدام لتتبع آثار ذلك الرجل الآخر من بداية الأحداث وحتى نهايتها من أجل تعقبه؟»

لم يكن لديه شك في أن جميع الإجراءات اللازمة قد اتخذت. بالطبع، كان كبير المفتشين هيت يعرف جيدا كيفية مطاردة رجل. وكانت هذه أيضا هي الخطوات الروتينية التي يتبعها حتى المبتدئون في سياق عملهم. يمكن لبضع تحقيقات مع صرافي التذاكر والحمالين في محطتي القطار الصغيرتين أن تعطي تفاصيل إضافية عن مظهر الرجلين؛ وسيظهر على الفور فحص التذاكر التي جمعت من أين جاءا صباح ذلك اليوم. كانت هذه إجراءات بديهية، ولا يمكن تجاهلها. وبناء على ذلك، أجاب كبير المفتشين بأن كل هذه الإجراءات قد تمت مباشرة بعد أن تقدمت المرأة العجوز وأدلت بشهادتها. كذلك ذكر اسم المحطة. وأردف: «تلك هي المحطة التي جاءوا منها، يا سيدي. الحمال الذي أخذ التذاكر في محطة ميز هيل تذكر شابين تتطابق أوصافهما مع ما ذكر ورآهما وهما يجتازان الحاجز. أوحى له مظهرهما بأنهما عاملان محترمان يعملان عملا راقيا، رساما لافتات أو مصمما ديكورات منازل. خرج الرجل الضخم من مقصورة الدرجة الثالثة من الباب الخلفي، وفي يده عبوة من القصدير اللامع. وعلى الرصيف، أعطاها للشاب ذي الشعر الأشقر والبشرة الشاحبة الذي حملها وتبعه. كل هذه الأوصاف تتفق اتفاقا تاما مع ما ذكرته السيدة العجوز لرقيب الشرطة في جرينتش.»

أعرب المفوض المساعد، الذي كان لا يزال موليا وجهه تجاه النافذة، عن شكه في أن لهذين الشابين علاقة بالاعتداء. كانت هذه النظرية كلها تستند إلى أقوال امرأة عجوز كادت أن تسقط لما اصطدم بها رجل في عجلة من أمره. بالتأكيد لم تكن تلك حجة قوية، إلا إذا استندت إلى إلهام مفاجئ، وهو ما كان يصعب الأخذ به.

تساءل بسخرية لاذعة: «والآن بصراحة، هل يمكن أن يكون قد نزل عليها إلهام حقا؟» وظل موليا ظهره للغرفة، كما لو كان مفتونا بصروح المدينة الهائلة التي اختفى نصفها في عتمة الليل. لم ينظر حوله حتى عندما سمع تمتمة تتلفظ بكلمة «العناية الإلهية» من أكبر الموظفين لديه في إدارته، الذي كان اسمه يكتب في بعض الأحيان في الصحف، ويعرفه الناس باعتباره واحدا من حماة الوطن الغيورين والكادحين. رفع كبير المفتشين هيت صوته قليلا.

قال: «رأيت رأي العين قطعا وأجزاء من القصدير اللامع. ذلك دليل جيد للغاية.»

فكر المفوض المساعد متسائلا بصوت عال: «وهذان الرجلان أتيا من محطة ريفية صغيرة.» كان قد قيل له بأن هذا هو الاسم الذي كان على تذكرتين من ثلاث تذاكر قدمها أصحابها الذين نزلوا من ذلك القطار في محطة ميز هيل. الشخص الثالث الذي نزل من القطار كان بائعا متجولا من جريفسيند معروف للحمالين. نقل كبير المفتشين تلك المعلومات بنبرة حاسمة يتخللها بعض الجفاء، كما يفعل الموظفون المخلصون المدركون لإخلاصهم مع الإحساس بقيمة جهودهم المتفانية. وكان المفوض المساعد لا يزال لم يحول نظره عن النافذة المطلة على الظلام بالخارج، الذي كان يشبه البحر في اتساعه.

قال وهو لا يزال ينظر إلى زجاج النافذة: «اثنان من اللاسلطويين الغرباء أتيا من ذلك المكان.» «هذا أمر غير قابل للتفسير نوعا ما.» «نعم يا سيدي. وسيظل غير قابل للتفسير لو لم يكن المدعو ميكايليس يقطن في بيت صغير في الجوار.»

عندما سمع المفوض المساعد ذلك الاسم، يأتي ذكره على نحو غير متوقع في هذه القضية المزعجة، صرف بعنف عن ذهنه الذكرى الضبابية عن تجمعه اليومي الذي يقام في ناديه للعب الويست (إحدى ألعاب ورق اللعب). كانت أكثر عادة تريحه في حياته؛ إذ كانت في المقام الأول عرضا ناجحا لمهارته دون مساعدة من أي من مرءوسيه. كان يدخل إلى ناديه ليلعب من الساعة الخامسة إلى السابعة، قبل أن يذهب إلى المنزل لتناول العشاء، متناسيا في هاتين الساعتين أي هموم في حياته، وكأن اللعبة كانت مخدرا مفيدا لتخفيف آلام الاستياء الأخلاقي. كان شركاؤه كاتب فكاهة ساخرا في مجلة مشهورة؛ ومحاميا مسنا كتوما ذا عينين صغيرتين تشيان بخبث؛ ورجلا عسكريا رفيع المستوى، كولونيل عجوزا بسيطا ذا يدين بنيتين متوترتين. كانوا مجرد معارف له من النادي. لم يقابلهم في أي مكان إلا على طاولة اللعب. ولكن على ما يبدو أن جميعهم كانوا يتعاملون مع اللعبة بروح من يتقاسمون المعاناة، وكأنها مخدر حقيقي لتخفيف أسقام الوجود الخفية؛ وفي كل يوم بينما تنحسر الشمس عن أسطح أبنية المدينة التي لا تعد ولا تحصى، كان تلهفه عذب ممتع، يشبه الاندفاع نحو صداقة أكيدة وعميقة، يخفف من أعباء عمله. والآن، خرج منه هذا الإحساس الممتع بشيء يشبه الصدمة الجسدية، وحل محله نوع خاص من الاهتمام بعمله في حماية المجتمع؛ نوع غير مناسب من الاهتمام، الذي يمكن تعريفه على أفضل نحو بأنه انعدام ثقة مفاجئ وحذر في السلاح الذي في يده.

الفصل السادس

كانت السيدة الراعية لميكايليس - صاحب الإفراج المشروط، ونصير الآمال الإنسانية - واحدة من أكثر المعارف تأثيرا وتميزا لدى زوجة المفوض المساعد، التي كانت تدعوها آني، وكانت لا تزال نوعا ما تعاملها على أنها فتاة غير حكيمة وعديمة الخبرة تماما. ولكنها كانت قد وافقت على أن تقبل المفوض المساعد صديقا، وهو ما لم يكن عليه الحال على الإطلاق مع جميع معارف زوجته النافذين. وإذ تزوجت في سن صغيرة وفي ريعان شبابها في حقبة بعيدة من الماضي، كانت قد أمضت فترة من الزمن كانت فيها على مقربة من شئون عظيمة، وحتى من بعض الرجال العظماء. كانت هي نفسها سيدة عظيمة. والآن مع تقدمها في العمر، كانت محتفظة بذلك المزاج الاستثنائي الذي يتحدى الزمن بازدراء واستخفاف، كما لو كان بالأحرى عرفا مبتذلا يخضع له من هم دونها منزلة. للأسف، لم تحظ أعراف كثيرة أخرى، كانت أيسر في تنحيتها جانبا، باهتمامها، أيضا بناء على أسباب مزاجية، إما لأنها سئمت منها، أو لأنها وقفت عائقا أمام استخفافها وتعاطفها. كان الإعجاب شعورا لم تجربه (كان هذا واحدا من دواعي حزن زوجها شديد النبل منها، والتي كان يخفيها عنها)؛ أولا، لكونه دوما مشوبا بصورة أو بأخرى بالضعف، ثم لكونه بطريقة ما اعتراف بالنقص. وكلا الأمرين كانا في الحقيقة، مستبعدين من طبيعتها. كان سهلا عليها أن تكون صريحة بلا خوف في التعبير عن رأيها؛ لأنها لم تكن تحكم على الأمور إلا من منظور وضعها الاجتماعي. كانت بنفس القدر غير مقيدة في تصرفاتها؛ ولما كانت لباقتها نابعة من إنسانية متأصلة فيها، وحيويتها لا تزال مدهشة، وتفوقها لا يزال صافيا ومتقدا، ظلت محط إعجاب بلا حدود على مدى ثلاثة أجيال، وفي آخر جيل كان من المحتمل أن تعاصره كان يقال عنها إنها امرأة رائعة. كانت في الوقت الحالي امرأة ذكية، تتمتع بقدر من البساطة النبيلة، وفضول متأصل فيها، ولكن على خلاف كثير من النساء اللواتي لم يكن يشغلهن سوى النميمة الاجتماعية، كانت تتسلى في سنها هذه بأن تجتذب إلى نطاق معرفتها، بفضل قوة مكانتها الاجتماعية العظيمة، التي كادت أن تكون تاريخية، كل شيء كان يسمو فوق مستوى البشر، بطريقة قانونية أو غير قانونية، من خلال المكانة، أو الذكاء، أو الجرأة، أو الحظ، أو سوء الحظ. كانت تستقبل في ذلك المنزل أصحاب السمو الملكي، والفنانين، ورجال العلم، ورجال الدولة الشباب، والدجالين من جميع الأعمار والظروف، الذين كانوا يظهرون على السطح من دون أن يكون لهم وزن، فيظهرون على أحسن وجه اتجاه التيارات السطحية، وكانت تستمع إليهم، وتسبر أغوارهم، وتفهمهم، وتقدرهم، من أجل تثقيف نفسها. على حد تعبيرها، كانت تحب أن ترصد إلى أين يتجه العالم. وبما أنها كانت تمتلك عقلية عملية، فإن حكمها على الرجال والأمور، على الرغم من استناده إلى تحيزات خاصة، نادرا ما كان خاطئا تماما، ونادرا ما كانت تتشبث بحكم خاطئ. ربما كانت غرفة الاستقبال لديها هي المكان الوحيد في العالم الذي يمكن للمفوض المساعد أن يقابل فيه مدانا أخلي سبيله بموجب إفراج مشروط لأسباب غير مهنية أو رسمية. لم يكن المفوض المساعد يتذكر جيدا من الذي كان قد أحضر ميكايليس إلى هناك بعد الظهيرة في أحد الأيام. كان يظن أن من أحضره لا بد أنه كان عضوا برلمانيا ينحدر من أسرة عريقة ولديه مشاعر تعاطف غير تقليدية، واعتادت الصحف الساخرة أن تتخذه أضحوكة في مواضيعها. كان أصحاب الوجاهة وحتى ذوو الشهرة البسيطة في ذلك الوقت يجلبون رفاقهم بحرية إلى ذلك المزار الخاص بسيدة ذات فضول نبيل. لا يمكنك أبدا تخمين من الذي من المحتمل أن تقابله عند استقباله ببعض الخصوصية بين ثنايا الحاجز الحريري الأزرق الباهت ذي الإطار المذهب، الذي كان يشكل خلوة مريحة فيها أريكة وعدد من الكراسي ذات الذراعين في غرفة الاستقبال الكبيرة، التي تختلط فيها الأصوات ومجموعات من الأفراد الجالسين أو الواقفين في ضوء ست نوافذ طويلة.

Shafi da ba'a sani ba