Shekarar Rushewar Al'adu
١١٧٧ق.م.: عام انهيار الحضارة
Nau'ikan
وحسب المصريين القدماء، وحسب أحدث الدلائل الأثرية، أتى بعض شعوب البحر عبر اليابسة، في حين أتى البعض الآخر عبر البحر.
4
لم يكن ثمة ملابس موحدة ولا أدوات عسكرية ملمعة. تصور الرسوم القديمة مجموعة منهم بلباس رأس ذي ريش، بينما كانت ترتدي مجموعة أخرى أغطية رأس من الجماجم؛ بل إن آخرين ارتدوا خوذات ذات قرون أو مضوا حاسري الرءوس. وكان لبعضهم لحيات قصيرة مدببة وارتدوا إزارا قصيرا، وكانوا إما عراة الصدر وإما مرتدين سترة؛ وكان آخرون حليقي الوجه وارتدوا ملابس أطول، تكاد تماثل التنانير. تشير هذه الملاحظات إلى أن شعوب البحر ضموا مجموعات متنوعة من مناطق جغرافية مختلفة وثقافات مختلفة. لقد جاءوا، متسلحين بسيوف برونزية حادة، ورماح خشبية ذات رءوس معدنية لامعة، وأقواس وسهام، في قوارب، ومركبات، وعربات تجرها الثيران، وعجلات حربية. وعلى الرغم من أنني اتخذت من عام 1177ق.م تاريخا محوريا، فإننا نعرف أن الغزاة جاءوا في موجات على مدى فترة طويلة من الزمن. وأحيانا كان المحاربون يأتون بمفردهم، وفي أحيان أخرى كانوا يصطحبون معهم عائلاتهم.
شكل 1: تصوير لشعوب البحر على هيئة أسرى في مدينة هابو (نقلا عن كتاب «مدينة هابو»، المجلد الأول، اللوح الجداري رقم 44؛ بإذن من معهد الدراسات الشرقية التابع لجامعة شيكاجو).
حسب نقوش رمسيس، لم يكن بوسع أي بلد مجابهة هذه الجماعات البشرية الغازية. كانت المقاومة غير مجدية. سقطت القوى العظمى في ذلك الوقت - الحيثيون، والميسينيون، والكنعانيون، والقبارصة، وآخرون - واحدة تلو الأخرى. فر بعض الناجين من المذابح؛ وتجمع آخرون في خرائب مدنهم التي كانت مجيدة يوما ما؛ بل إن آخرين انضموا إلى الغزاة، فكثروا أعدادهم وزادوا من التعقيدات الواضحة لتكوين حشد الغزاة. كانت كل مجموعة من شعوب البحر ترتحل، فيما يبدو، لأسباب متفردة لدى كل واحدة منها. ربما كان ما حفز البعض هو الرغبة في الغنائم أو العبيد؛ وربما أجبرت آخرين الضغوط الناجمة عن زيادة السكان على النزوح شرقا من أراضيهم في الغرب.
كتب رمسيس بإيجاز على جدران معبده الجنائزي في مدينة هابو، بالقرب من وادي الملوك:
أعدت البلاد الأجنبية مؤامرة في جزرها. وفجأة ودونما إنذار انتزعوا البلدان ودمروها في خضم المعارك الحامية الوطيس. ولم يستطع أي بلد أن يصمد في مواجهة جيوشهم، فاغتصبت البلدان بدءا من خاتي، وكودي، وكركميش، وأرزاوا، وألشية وما بعدها دفعة واحدة. [لقد أقاموا] معسكرهم في مكان واحد في عمورو، والتي قتلوا شعبها، وكان حال أرضها كحال أرض خربة لم يكن ثمة وجود لبشر عليها من قبل. كانوا آخذين في التقدم صوب مصر، بينما كانت النار معدة لهم. كان تحالفهم يتكون من الفلستيين، والتجيكر، والشيكليش، والدانونا، والويشيش، والتي كانت بلدانهم متحدة. لقد احتلوا بلدانا بقدر ما وصلت إليه أيديهم، وكانت قلوبهم واثقة وموقنة بالنصر.
5
نعرف هذه الأماكن التي ورد أنها اكتسحت على يد الغزاة؛ إذ كانت مشهورة في العصور القديمة. خاتي هي أرض الحيثيين، حيث يقع قلبها النابض على هضبة الأناضول (الاسم القديم لتركيا) الداخلية بالقرب من أنقرة الحالية وتمتد إمبراطوريتها من ساحل بحر إيجه في الغرب إلى أراضي شمال سوريا في الشرق. من المحتمل أن تقع كودي في جنوب شرق تركيا حاليا (ربما إقليم كيزواتنا القديم). كركميش هي موقع أثري معروف جرت فيه أول عملية تنقيب منذ قرن تقريبا بواسطة فريق من علماء الآثار كان يضم السير ليونارد وولي، الذي ربما يشتهر أكثر بعمليات التنقيب عن آثار النبي إبراهيم في «مدينة أور الكلدانيين» في العراق، وتي إي لورانس، الذي درس في جامعة أكسفورد ليكون عالم آثار في مجال الآثار اليونانية والرومانية قبل أن تحوله أعماله البطولية في الحرب العالمية الأولى في نهاية المطاف إلى «لورانس العرب» الذي جسدت هوليوود شخصيته. أرزاوا كانت أرضا معروفة لدى الحيثيين؛ إذ كانت تقع في متناول أيديهم في منطقة غرب الأناضول. ربما كانت ألشية هي ما نعرفه في يومنا هذا باسم جزيرة قبرص، وهي جزيرة غنية بالمعادن تشتهر بخام النحاس. كانت عمورو تقع على ساحل شمال سوريا. سنعاود الحديث عن كل هذه الأماكن، في الصفحات والقصص التالية.
المجموعات الست المنفصلة التي كونت شعوب البحر أثناء هذه الموجة من الغزو، وهي المجموعات الخمس التي ذكرها رمسيس أعلاه في نقش مدينة هابو بالإضافة إلى مجموعة سادسة، تسمى بالشاردانا، والمذكورة في نقش آخر ذي صلة، أكثر إبهاما من البلدان التي اجتيحت كما ورد. فلم تترك نقوشا خاصة بها ولذلك فالمصدر النصي الوحيد تقريبا الذي نستمد معرفتنا عنها منه هو النقوش المصرية.
Shafi da ba'a sani ba