وصاحت كلارا دتردنج قائلة: «آه إنه آت.» وكأن أحدا يحز رقبتها.
وأحس برنارد أنه قد حان له أن يفعل شيئا ما، فقفز إلى أعلى وصرخ قائلا: «إني أسمعه، إنه آت.» ولم يكن صادقا، فإنه لم يسمع شيئا، ولم يكن هناك بالنسبة إليه أحد مقبل، برغم الموسيقى وبرغم الاضطراب المتزايد، ولكنه هز ذراعيه، وصاح مع خيارهم، ولما بدأ الآخرون يرقصون ويدبون ويتنقلون، رقص وتنقل معهم.
وساروا في موكب مستدير وهم يرقصون، وقد وضع كل منهم يديه على مؤخرة الراقص السابق، وأخذوا يدورون في المكان صائحين معا، وهم يدبون على أنغام الموسيقى ، ويرقصون على توقيعها وأيديهم فوق أدبار السابقين، وكانت أيديهم جميعا تضرب معا كأنها يد واحدة، والأدبار ترد صدى الضربات معا كأنها ألواح، فكان الاثنا عشر شخصا كأنهم شخص واحد، ثم قالوا معا: «إني أسمعه، إني أسمع قدومه.» وأسرعت الموسيقى، ودبت الأقدام مسرعة، وأسرعت الأيدي الموزونة في وقعها على الأدبار، وانفجرت بغتة نغمة مركبة عظيمة، معلنة اقتراب التكفير وبلوغ الاتحاد حده الأقصى، وقدوم الاثني عشر موحدين في فرد واحد، والكائن الأكبر المجسد، وردد النغم هذه الكلمات: «شولم، شولم»، بينما واصلت الطبول دقها كأنها محمومة:
شولم، شولم، يا فورد يا مبعث السرور،
قبل البنات واجعل منهن واحدة،
وانشر السلام فوق البنات والبنين موحدين.
شولم، شولم، إنك تحرر النفوس.
وردد الراقصون هذه العبارات الدينية وكرروها، وبدأت الأضواء تتلاشى مبطئة وهم يغنون - وتلاشت الأضواء وازدادت في الوقت نفسه دفئا وغنى وحمرة، حتى باتوا في النهاية يرقصون في الشفق القرمزي، الذي يشاهد في مخزن الأجنة، وفي هذا الظلام الدموي الذي يشبه الضوء في بيوت الأجنة، واصل الراقصون دورانهم، وظلوا يرقصون على هذا النغم الذي لا يفتر، مرددين تلك العبارات الدينية «شولم، شولم ...» ثم ترنحت دائرتهم وانحلت، وانفرط عقدها فوق حلقة الأرائك، التي كانت تحيط بالمائدة ومقاعدها الاثني عشر - دائرة حول أخرى، وتغنى «الصوت» العميق برفق، وترنم بالنشيد الديني مرددا: «شولم، شولم ...» وكأن حمامة ضخمة سوداء كانت في ذلك الشفق الأحمر، تنشر جناحي الخير، وهي تحلق فوق الراقصين وقد انبطحوا الآن أرضا، واستلقوا على ظهورهم.
كانوا واقفين فوق السطح، وقد دقت ساعة هنري الكبرى الحادية عشرة منذ لحظة، وكان المساء هادئا دفيئا.
وقالت فيفي برادلاف: «ألم يكن الأمر جد عجيب؟» ونظرت إلى برنارد وفي عينيها نشوة السرور، ولكنه السرور الذي لا تلمس فيه بارقة من الاضطراب أو التأثر؛ لأن الاضطراب معناه أن الشخص لا يزال يتطلب المزيد، وأحست بالنشوة الهادئة التي يشعر بها كل من يبلغ مأربا، كما أحست بنوع من الطمأنينة التي لا يبعثها مجرد الإشباع أو الفراغ، وإنما تلك الطمأنينة التي تبعثها الحياة المتزنة ، والنشاط المستقر المعتدل، وهي طمأنينة قوية حية؛ لأن صلاة الجماعة قد أعطتهم بمقدار ما أخذت، وسحبت من نفوسهم لتعيد امتلاءها، فكانت ممتلئة النفس، كاملة، وما برحت تحس كأنها أكبر من نفسها، وأصرت على سؤالها السابق لبرنارد وهو: «ألست تظن أن الأمر كان عجيبا؟» وحدقت في وجهه بعينين لامعتين خارقتين للطبيعة.
Shafi da ba'a sani ba