فقال في بطء شديد: «هل أحسست مرة كأن شيئا بداخلك ينتظر منك أن تتيح له الفرصة كي ينطلق؟ ضربا من ضروب القوة الفائضة التي لا تستخدمها - كالماء الذي يتدفق من المساقط بدلا من أن يتخلل الآلات البخارية.» وألقى على برنارد نظرة المستفهم. - «تقصد العواطف التي يحس بها المرء، حينما تسير الأمور على غير ما يهوى؟»
فهز هلمهلتز رأسه، وقال: «ليس هذا بالضبط ما قصدت إليه، إنما أقصد ذلك الشعور العجيب الذي ينتابني أحيانا، وهو الشعور بأن لدي أمرا هاما أريد أن أعبر عنه، كما أن لدي القدرة على التعبير، غير أني لا أدري ما هو، فلا أستطيع أن أستفيد من قدرتي على التعبير، لو كانت هناك طريقة أخرى للكتابة ... أو لو كان هناك شيء آخر أكتب عنه ...» وسكت عن الكلام لحظة، ثم عاد يقول: «إنني بارع في اختراع التعابير - إنك تعرف ذلك الضرب من الكلمات، التي تجعلك تثب بغتة كأنك جالس على دبوس، لقد بلغت هذه الكلمات درجة كبيرة من الجدة والقدرة على الإثارة والتنبيه، حتى إن كانت تعبر عن شيء واضح من وجهة الإيحاء النومي، ولكن هذا لا يكفي، لا يكفي أن تكون العبارات جيدة، وإنما ينبغي كذلك أن تؤدي بها عملا طيبا.» - «ولكن أعمالك طيبة يا هلمهلتز؟»
فهز هلمهلتز كتفيه وقال: «هي كذلك إلى حد ضئيل، فهي ليست من الأهمية بمكان، وإني أحس أنني أستطيع أن أؤدي عملا أكثر من ذلك أهمية، وأكثر غزارة وأشد عنفا، ولكن ماذا عسى أن يكون ذلك؟ وماذا عساي قائل مما هو أكثر أهمية؟ وكيف يستطيع المرء أن يكون عنيفا في الأشياء التي ينتظر منه أن يكتب عنها؟ إن الكلمات يمكن أن تكون كأشعة إكس إذا أحسنت استعمالها - إنها تخترق أي شيء ، تقرؤها فتطعنك. هذه إحدى الأشياء التي أحاول أن أعلمها تلاميذي: كيف يكتبون كتابة تطعن القارئ، ولكن ما الجدوى من إحساس القارئ بالطعنات من مقال عن الغناء الجمعي، أو عن أحدث التحسينات في أعضاء الشم؟ ثم هل تستطيع أن تجعل الكلمات طاعنة حقا - كأقوى أشعة إكس - حينما تكتب عن مثل هذه الأشياء؟ هل تستطيع أن تقول شيئا عن لا شيء؟ هذا ما يئول إليه الأمر في النهاية، إني أحاول وأحاول ...»
وقال برنارد بغتة: «أنصت!» ورفع إصبعه منذرا صاحبه، وأصغيا، ثم همس قائلا: «أعتقد أن أحدا ما عند الباب.»
فنهض هلمهلتز، وسار على أطراف أصابعه إلى الجانب الآخر من الغرفة، وفتح الباب على مصراعيه بحركة حادة سريعة، ولكنه بالطبع لم يجد أحدا.
فقال برنارد وقد أحس بسخفه، وبدا عليه هذا الإحساس، آسف، وما أحسب إلا أن أعصابي مضطربة بعض الاضطراب، إذا ارتاب الناس في أمرك داخلتك الريبة في أمورهم.
وحرك يده فوق عينيه، ثم تنهد، وقال يبرر نفسه في صوت الشاكي: «لو عرفت ما كان ينبغي لي أن أقاسي في العهد الأخير، لو علمت ذلك ...» وامتلأت عيناه بالدموع، وأشفق على نفسه إشفاقا، انبثق منه كما تنبثق مياه النافورة، إذا أطلقتها بغتة.
واستمع إليه هلمهلتز واطسن وقد أحس بشيء من القلق، وقال محدثا نفسه: «مسكين برنارد!» ولكنه أحس في نفسه الوقت بالخجل من أجل صاحبه، وود لو أن برنارد أظهر شيئا من الكبرياء أكثر من ذلك.
الفصل الخامس
1
Shafi da ba'a sani ba