ولكنه لم يجب، بل كان يفكر في ردفها الضخم وأصابعها الصفراء. - «جون!»
فسألها بخشونة قائلا: «ماذا تريدين؟»
قالت: «هل تتكرم باعطائي الحزام المالتسي؟»
وجلست ليننا تصغى إلى وقع الأقدام في الغرفة الأخرى، وتتعجب وهي تصغى إلى متى يحتمل أن يبقى هكذا يذرع الغرفة جيئة وذهابا، وهل لا بد لها أن تنتظر حتى يخرج من البيت، وهل تطمئن - بعدما تترك لسورته فرصة من الوقت تهدأ فيها - إلى فتح الحمام والانطلاق منه.
وإذ هي تسبح في هذه التأملات المقلقة، تنبهت بغتة لجرس التلفون وهو يدق في الغرفة الأخرى، فكف صاحبنا عن المسير فجأة، وسمعت صوت الهمجي، وكأنه يتحدث مع السكون: «هلو.» - «...» - «نعم.» - «...» - «أنا هو إذا لم أخدع نفسي.» - «...» - «أجل، ألم تسمعني أذكر لك، أنا الهمجي أتكلم.» - «...» - «ماذا؟ من المريض؟ الأمر يهمني بالطبع.» - «...» - «ولكن هل المرض خطير؟ وهل هي فعلا في حالة سيئة؟» - «سوف أذهب في الحال ...» - «...» - «ليست في بيتها الآن؟ إلى أين أخذت؟» - «...» - «يا إلهي! ما العنوان؟» - «...» - «3 بارك لين - هل هو هذا؟ 3؟ شكرا.»
وسمعت ليننا طقة السماعة وهو يعيدها إلى مكانها، ثم سمعت خطوات مسرعة، وبابا يغلق بشدة، ثم كان سكون، هل ذهب فعلا؟
ففتحت الباب ربع بوصة بحرص بالغ، وأطلت من الشق، وشجعها منظر الفراغ فزادت من فتحة الباب قليلا، ثم أبرزت رأسها كله، وأخيرا سارت في الغرفة على أطراف أصابعها، ووقفت بضع ثوان بقلب شديد النبض، ولبثت تنصت وتصغي، ثم اندفعت نحو الباب الأمامي، وفتحته وانسلت منه، وأغلقته بشدة، ثم جرت، ولم تشعر بالطمأنينة والأمان حتى كانت في المصعد، تهبط فعلا إلى أسفل.
الفصل الرابع عشر
مستشفى بارك لين للموتى، برج من الآجر الأصفر، يتألف من أربعة وستين طابقا. ولما خرج الهمجي من طائرة الأجرة، قابلته حملة من سيارات الموتى الهوائية، ذات الألوان الزاهية وهي ترتفع من السطح بأزيزها، وتنطلق عبر المستشفى وتتجه غربا تقصد حمأة الإحراق، وعند باب المصعد أجابه كبير الحمالين بما استفسر عنه، فهبط إلى الجناح رقم 081 (وقال عنه الحمال: «إنه جناح الشيخوخة المتقدمة في الطابق السابع عشر»).
وكانت الغرفة فسيحة تتلألأ بضوء الشمس وبالطلاء الأصفر، وتحتوي على عشرين سريرا، كلها مشغول، وكانت لندا تموت مجاعة بجميع أسباب الراحة الحديثة، والأغاني المصطنعة المرحة تملأ الجو ولا تنقطع، وفي أسفل كل سرير صندوق تلفزيون يواجه شاغله وهو في النزع الأخير، والتلفزيون لا يفتر كأنه صنبور يتدفق من الصباح حتى المساء، والعطر السائد في الغرفة يتغير من تلقاء نفسه مرة كل ربع ساعة، وقالت الممرضة التي تولت أمر الهمجي عند الباب: «إننا نحاول أن نخلق هنا جوا ممتعا جدا - شيئا وسطا بين فندق من الدرجة الأولى من دور الصور المحسوسة، إن كنت تفهم ما أعني.»
Shafi da ba'a sani ba