Duniyar Hane-hane da Iyakoki
عالم السدود والقيود
Nau'ikan
كل بيت هو «برج بابل» لا يحتاج إلى أكثر من «قاموس واحد» ليصبح أعجوبة من تلك الأعاجيب التي أحصاها آباؤنا الأقدمون على أصابع يد واحدة وإصبعين اثنين من اليد الثانية!
ولكني أحسب أن برج بابل يحتاج إلى صورة هزلية تمثله كما نمثل بعض الناس في الصور الهزلية بأنف أطول من أنوفهم الطويلة، أو رجل أقصر من أرجلهم القصيرة، كلما تعمدنا المبالغة التي تعيننا على إبراز الحقيقة.
ولا أحسب أن فنانا يجد للبرج الداثر صورة هزلية أظرف وأصدق من ذلك المكان المعروف في كل سجن بقفص «الزيارة»؛ لأنه المكان الذي يتكلم فيه الناس بلغة واحدة، ويتكلمون بأعلى ما في وسعهم من زعيق وصريخ.
وتصغي إليهم على مسافة ثلاثة أشبار فلا تفهم ما تسمع ولا هم يفهمون ما يسمعون، وثق أنهم لا يتكلمون في الفلسفة، وما أنت في ذلك بحاجة إلى توكيد.
وثق أنهم لا يصطنعون الألغاز والمعميات في التعبير كما يصطنعها المتخاطبون أحيانا بالأصفار والرموز، ولكنهم يتكلمون في أبسط الأمور، ويجتهدون غاية الجهد في التوضيح والإنصات.
ومع ذلك كله لا يتفاهمون بالكلمات كما يتفاهمون بالظنون والإشارات.
وإذا شاء لك حسن الحظ - أو سوء الحظ - مرة واحدة أن تشهد قفص الزيارة عرفت سر هذه العجيبة، وعرفت أنها كسائر الأسرار من أبسط الأشياء؛ لأنها الشيء الذي لا يكون غيره، وهكذا ينبغي أن يكون.
أربعة أقفاص يقابلها من الجانب الآخر أربعة أقفاص مثلها على مسافة أشبار، وفي كل قفص رجل أو اثنان أو ثلاثة، وأمامهم جميعا دقائق معدودات يقولون فيها كل ما أعدوه للقول في شهور أو أسابيع، ويحب كل منهم أن يقول كل ما عنده وأن يسبق الآخر إلى إفراغ ما في جعبته، ويتواصى كل منهم قبل دخوله إلى القفص أن يخفض صوته ولا يغطي على صوت جاره.
ولكنهم لا يبدءون حتى يختلط بينهم الكلام وتأخذهم العجلة، فإذا هم من حيث لا يشعرون قد انتقلوا من الهمس إلى زعيق المصابين بالصمم المغلق، وإذا بالسامع من وراء الجدار يسمع سؤالا عن الزرع وجوابا عن السوق، وكلمة عن الأبناء والبنات وكلمة عن الماشية والأنعام، ولا يدري ماذا جواب ماذا ولا هم يدرون من السائل ومن المجيب، إلا أن يرى المتحدثين رأي العين، فيفهم بالظن من ملامحهم وإشاراتهم ما يتخاذل دونه الكلام، أو أكثر الكلام.
وهذه هي الزيارة التي يتشوف إليها المسجون ويحسب دوره فيها باليوم والساعة، لا لأنه يسمع ولكن لأنه يرى، ولا لأنه يعنى كثيرا بمن يراه ولكن لأنه ينفذ بهذه الرؤية إلى العالم الخارجي ولو بعض النفاذ.
Shafi da ba'a sani ba