Duniyar Iskandar Akbar
عالم الإسكندر الأكبر
Nau'ikan
فهل يمكننا الاطلاع على عقل الإسكندر بينما كان يتكيف مع ظروف الإمبراطورية المترامية الأطراف أثناء الحملة التي دامت 10 سنوات؟ وهل استبدل بملكه مقدونيا منصب شاه فارس؟ تدل الشواهد على أنه لم يفعل. لا شك أنه أضاف وحدات عسكرية فارسية إلى جيشه تضم مرتزقة هنودا (آريانوس، الكتاب الرابع، 27، 3)، و20 ألف جندي فارسي وتضم كذلك كيشيين وطربوريين (آريانوس، الكتاب السابع، 23، 1)، وفرسانا من أبناء الفرس المهمين (آريانوس، الكتاب السابع، 6، 4-5)، و30 ألف شاب فارسي. كان ضم فيلق أجنبي إلى الجيش ممارسة اعتيادية عند كل من فيليب والإسكندر تحضيرا للحملة. علاوة على ذلك، درب المجندون الجدد على الطريقة العسكرية المقدونية ربما باتباع طريقة مماثلة لتدريب أبناء الأسر الأرستقراطية المقدونية في بيلا (آريانوس، الكتاب السابع، 23، 6، 1 والكتاب السابع، 23، 3-4). ولم ينتقص احتفاظ الإسكندر بالمسئولين الفرس من دور معاونيه ذاتهم؛ إذ ظل المعاونون المخلصون، الذين ربطتهم بالإسكندر علاقات تعود إلى أيام الطفولة، يرتقون إلى مناصب أعظم أهمية. وفي شوشان سنة 324، ازدادت صلة هؤلاء الصحابة بملكهم الأرغي قوة، بالوسيلة التي وظفها أمينتاس الثالث وفيليب الثاني، وأعني الزواج؛ فبزواج الإسكندر وهفايستيون بشقيقتين، سيكون أولادهما أولاد خالة (آريانوس، الكتاب السابع، 4، 5). لكن يجب التأكيد على كلمة «مخلص»؛ إذ سيخضع المعاونون الخائنون مهما كانت أصولهم للعقاب، وغالبا بالإعدام. كان الإسكندر، كملك مقدوني، على دراية تامة بوضعه المحفوف بالمخاطر قبل زمن طويل من جلوسه على عرش الأخمينيين، الذين كان ينتابهم الخوف ذاته من الخونة والمنافسين.
ينبغي أن ننظر إلى زيجات الإسكندر في ضوء اعتناقه المحتمل للثقافة الفارسية؛ ففي شوشان اتخذ إحدى بنات داريوس الثالث زوجة ، ومثلها إحدى بنات الملك السابق أرتحششتا الرابع، وكان قد سبق له الزواج برخسانة، ابنة وخش آراد زعيم باخترا. وتجددت في آسيا صداقة دائمة مع بارسين بنت أرتبازوس التي كانت تماثل الإسكندر سنا، وقضت نحو عشر سنوات في بيلا مع أبيها المرزبان وسائر أسرتها. وتروي بعض المصادر أن الإسكندر وبارسين أنجبا ابنا سمي هرقل. ولم تربط الإسكندر علائق زواج بمقدونيا، لكن استحضار زوجات فيليب يضع دور الزواج الأرغي في نصابه الصحيح؛ إذ لم تكن من بين زيجات فيليب السبع إلا زيجة واحدة بامرأة مقدونية عقدت سنة 337، وكانت الست الأخريات ضمانات لتحالفات، حتى إن تمخض بعضها عن غرام حقيقي. ولو عاش الإسكندر حتى بلغ 45 سنة - وهو عمر فيليب سنة 337 - فالغالب أنه كان سيتزوج مرات أخرى عديدة، بل ربما كان من شأنه أن يتزوج بامرأة من الأسر المقدونية النبيلة.
لا شك أن الفاتح الشاب كان سيفخر أعظم الفخر بإنجازه؛ فهل أصابته الأوهام حتى صار يعتقد أنه أكثر من إنسان؟ ولماذا سيرسل في نهاية حملته إلى الإغريق يأمرهم بعبادته كإله كما تروي بعض المصادر؟ ربما يكون هذا نتيجة ولايته منصب شاه فارس. ومن ناحية أخرى، كان وجود ارتباط وثيق بالأبطال، بل بالآلهة العظام أيضا، شيئا متعارفا عليه لدى الملوك المقدونيين قبل الإسكندر. ولتتأمل قضاء وقت ثمين لقطع 370 ميلا (600 كيلومتر) في الصحراء إلى عرافة آمون في غربي مصر لكي «يعرف معلومات أدق عن نفسه» (آريانوس، الكتاب الثالث، 3، 2). لقد علم الإسكندر منذ الطفولة تثمين نسبه، الذي يتصل بالعديد من الأبطال (هرقل وبيرسيوس وآخيل)، بل يتصل فوق ذلك بإله الأوليمب زيوس. كان قد برهن بأفعاله على صلة نسبه بالأبطال، وكشف بأضحياته المنتظمة عن اعتماده على رضا زيوس. في وقت مبكر يعود إلى القرن الخامس، كان هيرودوت يعرف أن عرافة آمون من عرافات زيوس أيضا (الكتاب الثاني، 55). وقلنا إن وجهات نظر الأقدمين تستحق الاحترام، حتى إن بدت غريبة في القرن الحادي والعشرين بعد الميلاد. أفلن يؤدي ملك مقدوني الأعمال المتعارف عليها سعيا لكسب رضا أبي الرجال والآلهة حتى في مصر؟ وبعد أن تم له الاستيلاء على مصر دون قتال، سارع إلى قيادة رجاله عائدا إلى أرض لم يكن الاستيلاء عليها سهلا في الغالب. لم يكن قد أعيد ضم مصر إلى الإمبراطورية الفارسية إلا منذ 10 سنوات، بعد نحو 60 سنة من الاستقلال، وأما أقاليم الشام فكانت مشهدا لانتفاضات متقطعة. كان العمل على نيل رضا زيوس-آمون ضروريا. فما العرافة المصرية الأخرى التي ارتبطت بزيوس على هذا النحو؟ ظل زيوس يد عون للإسكندر طوال الطريق إلى الهند، ثم طرق العودة إلى بابل. وكشف فيليب والإسكندر بنجاحهما المتزايد عن انتمائهما إلى سلف عظيم، وبطريقة لافتة للأنظار، فنحن نتذكر أن فيليب أمر بحمل تمثاله بصحبة تماثيل الأوليمبيين الاثني عشر. (4) إمبراطورية الإسكندر
غالبا ما تستخدم أنظمة تقسيم العصور التاريخية عصر الإسكندر كبداية عصر جديد؛ إذ بداية من سنة 336 أو ربما سنة 323، يفسح العصر الهيليني الكلاسيكي المجال للحقبة الهلنستية. يبقى الإغريق، والثقافة واللغة الإغريقيتان، بل الدول-المدن الإغريقية أيضا، لكن يحتويها شيء أكبر وليس هيلينيا بالكلية. ولتأكيد صحة هذا النظام، دعونا ننظر في طبيعة الإمبراطورية التي أنشأها الإسكندر وبدأ تنظيمها. إلى أي مدى انحرف الإسكندر عن تراثه المقدوني؟
من البديهي أن دمج المملكتين المقدونية والفارسية تمخض عن دولة جديدة، وهو شيء سعى الفرس إلى تحقيقه في عهد الملكين داريوس الأول وأحشويرش الأول في أوائل القرن الخامس لكنهم أخفقوا. لم يغير الإسكندر إلا قليلا من الهياكل القائمة في أي من المملكتين، ووظف أدوات كلتيهما. وبصفته قائد الجيش المقدوني كان ملتزما تمام الالتزام بالاعتماد على الجيش الذي أثبت نجاحه العظيم، وأضاف الإسكندر إلى القوة المتقدمة المؤلفة من نحو 10 آلاف جندي مشاة و1000 فارس؛ 30 ألفا آخرين من المشاة و5 آلاف من الخيالة. كان أغلب هؤلاء الجنود مقدونيين أو رعايا مقدونيين أو إغريق، من أعضاء الحلف الكورنثي ومن المرتزقة على السواء. ومع اتساع السيطرة على الأراضي التي كانت ذات يوم فارسية، ضم إلى جيشه جنودا من بلاد فارس. بمعنى آخر، تواصلت ممارسة تعزيز أمن الأراضي الواقعة تحت الحكم المقدوني باستخدام جيش دائم مؤلف من رجال ينتمون إلى جميع الأقاليم، وكان تدريبهم على الطراز العسكري المقدوني.
كان الإسكندر ملزما، بولايته ملك مقدونيا، بمباشرة الأعمال العدائية ضد شاه فارس بسبب إعلان فيليب عن حملته أمام الحلف الكورنثي، والتاريخ الحافل بالخوف من التوسع الفارسي غربا الذي يجمع المقدونيين والإغريق، والحاجة إلى توفير فرصة عمل للأداة الحيوية التي يعتمد عليها الوجود المقدوني. لكن هل كان الإسكندر مضطرا إلى الزحف فيما وراء حدود آسيا الصغرى إلى أراض لا يوجد بها إلا قليل من الإغريق كي يحررهم من الهيمنة الفارسية؟ يوجد دافعان يبدوان مرجحين؛ أولا: يكشف لنا التوسع المقدوني بداية من القرن الخامس فصاعدا، وخصوصا أثناء حكم فيليب الثاني، عن صورة دفينة؛ إذ تمخض تلاحم مقدونيا الدنيا والعليا عن تهديدات من شعوب أبعد، كالإليريين والإغريق مثلا، وأثار النشاط المقدوني في البحر الأسود عداء فارس الأناضولية. وأما الدافع الثاني، فكان يقينا وجود فرص سانحة كما في مصر مثلا، التي كانت تحن إلى استعادة استقلالها عن السيطرة الفارسية.
استخدم الإسكندر وسائل أخرى لتوحيد الأراضي الشاسعة بالإضافة إلى القوة العسكرية، فأنشأ حاميات في الأقاليم التي لم تستتب فيها الأوضاع بالكلية وكانت حيوية للاتصالات، وفي القلاع المحصنة من قبل أو التي حصنت حديثا، وفي المستوطنات الكبرى. كان بعض هذه الحاميات مؤقتا، وكان بعضها الآخر دائما؛ وهو في هذا لم ينحرف إلا قليلا عن ممارسة الملوك الأرغيين السابقين. كان الإسكندر متحمسا لإنشاء مستوطنات جديدة تكون أكثر من مجرد حاميات عسكرية، وتنسب إليه سبعون منشأة من هذا القبيل، لكن لا يعرف منها على وجه اليقين إلا خمسة وعشرون أو نحو ذلك. كان بعضها قد أعيد تأسيسه، وبعضها الآخر جديدا، وبعضها الثالث مقار سكن ملكية حولت إلى مدن. غرس الاعتراف بقيمة المنشآت الملكية في الوريث المحتمل للعرش في مرحلة مبكرة من حياته؛ ففي سنة 340 على سبيل المثال، قاد الإسكندر جيشا إلى الشمال للتعامل مع تمرد قبيلة مايدي، ولدى استيلائه على مركز المتمردين، أعاد تأسيسه باسم ألكساندروبوليس، سيرا على خطى فيليب الذي سمى عدة مواقع باسم «فيليبوبوليس» وموقعا واحدا باسم «فيليبوي»؛ تيمنا به.
في هذه الممارسة دلالة على نظام الإدارة المقدوني؛ إذ تحتاج الملكيات إلى مراكز إدارية واقتصادية، وإن كانت لا تتقبل بسهولة دولا مستقلة ذاتيا داخل أراضيها؛ فقد اتخذ قرار بتأسيس مركز آمن للسيطرة المقدونية في أواخر القرن الخامس، وأكدنا على النشاط الذي ازداد غالبا كثافة في بيلا بين عامي 359 و336. تشبه الإسكندرية في مصر بيلا في موقعها المحمي على نهر بعيد عن ساحل البحر، وطبيعتها المخططة، واقتران المسكن الملكي بالجهاز الإداري.
لم يكن فيليب والإسكندر مضطرين إلى محو كل المستوطنات السابقة؛ فكانت كورنثة تحتل موقعا استراتيجيا، وكانت مركزا مهما للإنتاج والتجارة، وهي ملامح تؤيد استمراريتها، لكن كمكان اجتماع لأعضاء حلف الملك. كانت دواوين المحاسبة المتطورة الموجودة في بابل ضرورية لإدارة الإمبراطورية، سواء أكانت تحت ملك أخميني أم ملك أرغي.
صار الإسكندر شاه فارس وبازيليوس المقدونيين (وغيرهم)، وأضاف أيضا مناصب رسمية جديدة إلى جعبة مناصبه بوراثته ملك الفراعنة في مصر وإقامته تحالفات مع البعض، وبصيرورته ابنا بالتبني لواحدة من الحكام، وبزواجه ببنات عائلات مهمة في الأراضي المفتوحة حديثا. لا يوجد ملك أرغي من قبل تولى منصب شاه فارس، لكن كان فيليب قد برهن جيدا على قيمة تكديس مجموعة من المناصب الرسمية في شخصه.
Shafi da ba'a sani ba