Duniyar Iskandar Akbar
عالم الإسكندر الأكبر
Nau'ikan
بعد ذلك بنحو أسبوعين دعاني آل إلى كتابة سيرة مختصرة للإسكندر تتمحور حول موضوع مقرري الدراسي. وبالرغم مما في هذه الدعوة من إطراء، فإنني اعترضت محتجة بأنني لست «متخصصة في الإسكندر»، فرد علي آل بقوله إن تناول الموضوع دون وجود فكرة محددة عن دوافع الإسكندر وشخصيته وأمانيه وأحلامه ربما يكون نقطة إيجابية.
وهكذا أقدم هذه الدراسة مصحوبة باعتذار أسوقه إلى كل «المتخصصين في الإسكندر»، الذين لا غنى عن أبحاثهم ومنشوراتهم للتوصل إلى أي فهم للإسكندر الثالث المقدوني. تسعى الدراسة إلى النظر بعمق في ظروف عالمه، إيمانا بعدم إمكانية فهم الأفراد بمعزل عن الثقافات التي تشكل حياتهم، دون الدخول في نقد المصادر، أو محاولة حل قضايا محددة تتعلق بالحقائق أو التفسيرات.
سيرا على خطى الكتب الأخرى في هذه السلسلة، لا يحتوي هذا الكتاب على حواش سفلية، وكل الأعمال المذكورة في المتن متضمنة في ثبت المراجع. وتشير الاستشهادات من قبيل «الكتاب السابع، 56» من «تاريخ هيرودوت»، إلى مؤلفين قدامى لا يلزم ذكر طبعة معينة عند النقل عنهم؛ بما أن الاستشهاد يقدم للقراء معلومات للعثور على مصدر الاقتباسات في أي طبعة. أما الإسنادات إلى مجموعات الشواهد الأكاديمية من قبيل «النقوش الإغريقية، المجلد الثاني، الجزء الثاني» فيتم نقلها بصيغة أتم بين قوسين في قلب المتن.
كانت قراءتي الشواهد وفي نفسي هدف مختلف، واستكشافي الأرض التي ولد فيها الإسكندر من سلسلة جبال بيندوس في الغرب إلى الخليج الثيرمي وما وراءه شرقا؛ مغامرة مثيرة؛ إذ تمخضت تنقلاتي بإرشاد من الخبيرين ثيو أنتيكاس ولورا وين أنتيكاس عن أفكار جديدة أساسية عن مقدونيا، وكيف كانت أرضها هدفا للفتوحات ونقطة انطلاق للفتوحات في آن واحد، ففتحت معرفتهما بالمنطقة وبالباحثين الذين يعكفون على تعزيز الشواهد التاريخية على ماضي مقدونيا أبوابا كثيرة، فكرية ومادية على السواء. ويعود الفضل في أكثر الأشكال التوضيحية إلى صداقاتهما مع سكان أرض الإسكندر الحاليين، وذلك على نحو ما ستكشفه مصادر هذه الأشكال.
ساهم أشخاص كثر بمساعدات لا غنى عنها في هذا العمل، فقرأ ثيو أنتيكاس مخطوطة الكتاب ثلاث مرات، مقدما اقتراحات وتصحيحات مشكورة؛ وقام زوجي وزميلي ريتشارد ريجبي جونسون بدور المصور الفوتوغرافي أثناء مغامرتنا المقدونية؛ وأدى لانس جينوت، طالب الدكتوراه بجامعة برنستون حاليا، مهمة إنشاء الخرائط؛ وأجرى ريان بوهلر، طالب الدكتوراه في التاريخ القديم، تعديلات على هذه الخرائط وأعد الكثير من الأشكال؛ وتبرع زميلي وصديقي دانيال وا بخبرته ووقته الثمينين لتحرير غالبية هذه الأشكال؛ وأتاحت منحة قدمها لي صندوق العوائد للبحوث التابع لجامعة واشنطن إعفائي من مهام التدريس لمدة ثلاثة أشهر قضيتها في استقصاء أرض مقدونيا، وتخصيص الوقت اللازم للبحث والكتابة. ومن جديد أعرب لشريكي في تأليف كتابين آخرين عن شكري على إعداد الفهرس، وهو عمل يستمتع به ويتقنه بحق. وأشكر آل برتراند وآخرين في بلاكويل ببلشنج لتعاونهم وتسامحهم طوال العملية برمتها.
مقدمة
يوجد موضوعان استحوذا على اهتمام غير عادي منذ القدم وحتى يومنا هذا في عالم اليونان القديمة، وهما هوميروس والإسكندر الثالث المقدوني، ويجدر بنا أن نذكر وجه الصلة بينهما؛ إذ زعم الإسكندر أنه ينحدر من نسل آخيل، ويقال إنه كان ينام وفي متناول يده نسخة من الإلياذة (ومعها سيفه بالطبع). هذان الموضوعان مترابطان من وجه آخر يساعد على تفسير جاذبيتهما على مر العصور؛ إذ يطرح كلاهما تساؤلات جادة يبدو كثير منها بلا جواب نظرا لطبيعة الشواهد التي وصلتنا. وربما تستحيل معرفة هوية هوميروس أو الإسكندر الحقيقية؛ إذ رأى بعضهم أن هوميروس لقب لا اسم شخص حقيقي، بمعنى أن هوميروس هو المغني الملحمي الأول الخيالي الذي تصوروه على رأس فرق الغناء الملحمي الإغريقية؛ ومن ثم كان هناك أكثر من هوميروس واحد جمعت حكاياتهم في النهاية كقصيدة طويلة واحدة، لكن كثيرين غير مقتنعين بهذا الطرح ، وهكذا يستمر الجدال. وتعزى الصعوبة في اكتشاف طبيعة الإسكندر إلى طبيعة ما وصلنا من شواهد تسبغ عليه شخصيات مختلفة متعددة؛ فمع أن حقيقة وجود فرد يعرف باسم الإسكندر الثالث المقدوني ليست محل شك، فإننا نجد أنفسنا في مواجهة أكثر من إسكندر واحد؛ ومن ثم فالجدل الأكاديمي المحيط بهوميروس والإسكندر له جذور عميقة وأثار نقاشا محتدما.
موضوع هذه الدراسة هو الإسكندر، فلا نأتي على ذكر هوميروس إلا هامشيا؛ وبهذا نكون اجتنبنا الوقوع في الأحبولة المعروفة باسم «المسألة الهوميرية»؛ ف «مسألة الإسكندر» عويصة بما يكفي، وهي ليست مجرد شاغل أكاديمي؛ فبفضل قوة شخصية الإسكندر يجري تقديمها لجماهير شعبية فيما لا يحصى من الكتب والمقالات والقصص المصورة والوثائقيات والأفلام الطويلة، التي كلف إنتاج أحدثها، وعنوانه «الإسكندر» وأخرجه أوليفر ستون، مئات الملايين من الدولارات، وستنتج أفلام أخرى يقينا في محاولة لاكتشاف الإسكندر الحقيقي. ونتيجة لذلك، توجد بالفعل صور مختلفة كثيرة جدا لهذا الملك المقدوني، وتواصل هذه الصور الازدياد.
يصعب استيعاب هذا الموقف في البداية؛ بما أننا نعرف أسماء 20 من معاصريه نشروا كتابات عنه، لكن جزءا كبيرا من المشكلة منبعه أن هذه الكتابات ذاتها لم يكتب لها البقاء؛ فلم يكتب البقاء إلا لجزء من عمل معاصر واحد تضمنه عمل نشر فيما بعد، ونعني التقرير الرسمي الذي أعده قائد أسطول الإسكندر الذي أبحر عائدا من الهند إلى الخليج الفارسي، والذي كتب له البقاء ضمن سرد أوفى لحياة الإسكندر وضعه آريانوس في أواخر القرن الثاني بعد الميلاد. أما سائر الأعمال الكبرى التي كتب لها البقاء فتعود إلى القرن الأول قبل الميلاد والقرنين الأول والثاني بعد الميلاد؛ ومن ثم فقد وضعت بعد موت الإسكندر بثلاثة قرون أو أكثر. توجد أيضا مواد مقتبسة من أعمال أخرى - لم تصلنا - ضمنت أعمالا متأخرة؛ إذ كتب بطليموس، أحد ضباط الإسكندر وأصدقائه، قبل موته سنة 283 قبل الميلاد، تأريخا لقائده اعتبر من بين مصدرين أساسيين، مشهورين بموثوقيتهما، اعتمد عليهما آريانوس في مؤلفه. ما يدعو للأسف أن الجودة الظاهرية لكثير من الأعمال الأصلية الأخرى لم تكن عالية بالقدر نفسه، وهو ما يفسر عدم الحفاظ عليها؛ فعن أحد واضعي هذه الأعمال قال الخطيب ورجل الدولة الروماني شيشرون: «كان موضوعه سيئا، شأنه شأن أسلوبه في الحديث.» ونذكر مثلا أنه في معرض تفسير احتراق معبد أرتميس يوم ميلاد الإسكندر، ذكر كاتب العمل الذي احتقره شيشرون قراءه بأن أرتميس كانت بعيدة عن معبدها تساعد في وضع هذا الوليد غير العادي.
مثلما كشف ليونيل بيرسون في دراسته هذه «التأريخات الضائعة»، تخلط الروايات التي كتب لها البقاء ملخصات التأريخات السابقة بكتابات متأخرة؛ ومن ثم يشدد بيرسون على ضرورة فصل الإضافات الجديدة عن الكتابات القديمة للوقوف على هوية المؤلف المسئول عن أجزاء معينة من القصة. ولا يصدر أي حكم بالإجماع على عملية فرز الكتابات ونسبتها. وهكذا نجد باحثا حديثا - وهو دبليو دبليو تارن - يصف بطليموس بأنه «موثوق فيه» كمصدر، بينما نجد آخر لا يتفق مع هذا التوصيف، مؤكدا أن مصدر هذه المعلومة أحد التأريخات «غير الموثوق فيها». وسيؤثر هذا التباين على الصورة التي تبرز لنا؛ لأن معقولية أي إعادة بناء للشخصية تعتمد دون شك على موثوقية الشواهد.
Shafi da ba'a sani ba