Duniyar Iskandar Akbar
عالم الإسكندر الأكبر
Nau'ikan
ينتمي الإسكندر، من ناحية أبيه، إلى السلالة الأرغية، وهي العشيرة الحاكمة للمكدونيين. ومع أن أمه أوليمبياس كانت إبيروسية، فلم يكن النسب من جهة الأم على ما يبدو عاملا يفقد ابن الملك أهليته كوريث محتمل لأبيه؛ إذ كانت أم فيليب نفسه تنتمي إلى أصول إليرية ولنكستية، ونودي بكل من أبنائها الثلاثة ملكا.
كان لدى هيرودوت سبب وجيه، في وصفه الحروب الفارسية، لإيراد إشارات إلى مقدون وملكيها: أمينتاس الأول الذي حكم حتى 497/498، وابنه الإسكندر الأول الذي خلفه في الملك وتمتع بفترة حكم طويلة حتى حوالي سنة 454. وإذ يصف هيرودوت مهمة الإسكندر، وهي إقناع الأثينيين بالانضمام إليه في قضيته الفارسية، يسرد أصل السلالة الأرغية ومنزلة الإسكندر منها.
كان الإسكندر الأول ابن أمينتاس الأول ابن ألكيتاس، وكان أبو ألكيتاس يسمى أيروبوس، وكان أبو أيروبوس يسمى فيليبوس، وكان أبو فيليبوس يسمى أرغايوس، وكان أبو أرغايوس يسمى بيرديكاس، وهو أول من ولي الملك. (الكتاب الثامن، 139)
ولاقتفاء أثر هذه السلالة، يمضي أبو التاريخ قائلا إن بيرديكاس الأول:
ولي أمر المقدونيين على هذا النحو: فر ثلاثة من الأشقاء، وهم جفانيس وأيروبوس وبيرديكاس أبناء تيمينوس، من أرجوس [في اليونان] إلى إليريا، ومن هناك عبروا إلى مقدونيا العليا واستقروا في مدينة ليبايا. عملوا هناك في خدمة الملك مقابل أجر؛ فكان أحدهم يعتني بالخيول، وآخر بالثيران، وأصغرهم وهو بيرديكاس ببقية القطيع ... كانت زوجة الملك تطهو لهم الطعام، وعند الخبز، كان الخبز المخصص للصبي بيرديكاس يختمر حتى يصير مثلي حجمه الطبيعي. ولما رأت هذا يتكرر دائما، أخبرت زوجها بالأمر، فخطر ببال الملك فور سماعه القصة أن هذا أمارة شيء مهم، فاستدعى الخدم وأمرهم بالرحيل عن بلده، فطلبوا منه - محقين - أن يعطيهم أجرهم ليرحلوا. وبينما كان الملك يستمع إلى مطالبتهم بأجرهم، كانت أشعة الشمس تتخلل مدخنة المنزل، فقال باستهتار مشيرا إلى الشمس: «أعطيكم هذه أجرا لكم.» فوقف الأخوان الكبيران جفانيس وأيروبوس مبهوتين لدى سماعهما هذا، وأما الصبي، الذي صادف أن كان ممسكا بسكين، فقال: «أيها الملك، إننا نقبل ما تعطينا إياه.» ورسم خطا على الأرض بسكينه، وبعد أن اغترف في حجره ثلاث غرفات من أشعة الشمس، رحل هو والآخران. (الكتاب الثامن، 138، 1-5)
استيقن الملك وجود شيء غريب في هذا كله، فأرسل رجالا على ظهور الجياد لوقف الإخوة، وكان في الطريق نهر تمكن الإخوة من عبوره، لكن مياهه ارتفعت بعدئذ بشدة على نحو حال دون قدرة مطارديهم على التقدم. وفي النهاية وصل الشباب إلى جزء آخر من مقدونيا يسمى حدائق ميداس، كانت وروده البرية التي تخرج زهورا بها 60 بتلة تبعث بأذكى عبير في الدنيا.
تحمل هذه الحكاية كثيرا من أمارات الحكايات الفولكلورية، لكنها تكشف في الوقت نفسه عن وجهة النظر المقدونية بوجود صلة قرابة قديمة باليونان. وربما توحي أيضا ببعض الشكوك المحيطة بأصول السلالة الأرغية نظرا لوجود روايات بديلة تتحدث عن الجد الأول لهذه السلالة؛ إذ توجد رواية أخرى تقول إن مؤسس الأسرة كارانوس، الذي يوصف أحيانا بأنه شقيق طاغية أرغوس في القرن السابع؛ غير أن كلمة كارانوس الإغريقية تحمل معنى «حاكم» عموما. وأما نسب المكدونيين كما يورده هيسيودوس فيجعل من مكدون الجد الأول للسلالة. كان مكدون ابن زيوس وحفيد ديوكاليون - من جهة أمه ثيا - ومن ثم هو ابن عم دوروس وأيولوس وكوتوس الذين كانوا الجدود الأوائل للدوريين والأيوليين والأيونيين (قصيدتا «قائمة النساء» و«إيواي»، شذرة 3). ربما تعكس كلتا الروايتين محاولات للربط بين المقدونيين والإغريق، ويتفق الكثيرون مع وجهة نظر يوجين بورزا أن هذه الروايات التي تتحدث عن أصل الأرغيين في أرجوس برزت في القرن الخامس، وتمحورت حول الإسكندر الأول الذي كان يلقب بمحب الإغريق.
على الرغم من أن أصل أسرة مقدون المالكة يظل غير مؤكد، لا يمكن إنكار أهمية الانتماء إليه في الحكم المقدوني؛ إذ كان لزاما أن يكون المرء من أبناء هذه السلالة لكي يطمح إلى ولاية الملك. وفي الوقت نفسه تمخضت الظروف المرتبطة بحجم السلالة المتزايد عن فروع جانبية وتوترات بين هذه الفروع، وكثيرا ما تمخضت عن صعوبات بالغة في وجه أرغيين بعينهم.
شكل 3-1: النسب الأرغي. أسماء الحكام مكتوبة بخط سميك.
ثمة ميزة تتجلى فورا للعيان، وهي أن انتماء المرء إلى هذه السلالة كان يمنحه فرصة لتولي الملك، وهو ما كان عاملا بالغ الأهمية. المعتاد أن ابن الملك يخلف أباه على نحو ما يتبين من رواية هيرودوت عن العلاقة بين الملوك الستة الأوائل، غير أن هذا لم يكن هو الحال دائما؛ إذ إنه لدى موت أمينتاس الثالث، آل الملك إلى ابنه الإسكندر الثاني، لكن من خلف الإسكندر كان أخاه. توجد ممارسة أخرى معتادة هي أيلولة الملك إلى أول مولود ذكر يولد للملك الحالي، لكن من جديد كانت هناك استثناءات، وخصوصا عند حدوث شجارات بين أبناء الملك المتوفى. علاوة على ذلك، فإن طبيعة ما لدينا من شواهد حول شئون مقدون الداخلية تحول دون التيقن من تواريخ الميلاد، فمن الجائز على سبيل المثال أن الإسكندر الثالث كان الابن الثاني لفيليب.
Shafi da ba'a sani ba