تبارك الله! رجل يخرج الله به أمة كاملة من الظلمات إلى النور، ويفتح لها به أبواب الخير على مصاريعها إلى آخر الدهر، ثم يأبى الله عليه أن يستغفر لأمه وعمه، وأن ينقذ أهله الأقربين الذين أدوه إلى الناس وحموه حتى أدى الأمانة وبلغ الرسالة.
6
قلت لمحدثي: وماذا تنكر من ذلك وعدل الله محتوم لا يقبل أخذا ولا ردا، ولا تجوز عليه المصانعة ولا المحاباة؟ قال: لا أنكر شيئا، وأعوذ بالله أن أنكر شيئا وأنا أعلم أن الله قد تأذن أنه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء. إنما أرثى للناس الذين يرون الخير فيجتنبونه، ويرون الشر فيتهالكون عليه. أرثى لهؤلاء الذين يبلغ بهم الضعف وخور النفوس أن يظلموا الأبرياء ويعتدوا على الوادعين ليؤثروا أهلهم وقرابتهم بما ليس لهم بحق. ولو قد حاول الناس أن يتأثروا بالمثل العليا ويتأسوا بالأسوة الحسنة لكان لهم في مثل هذه القصة صارف عما يجترحون من السيئات، ورادع عما يقترفون من الآثام. هل ترى أبلغ في تصوير العدل الصارم الحازم الذي لا يقبل هوادة ولا يحتمل رفقا؛ لأنه ليس موضع هوادة ولا رفق، من هذه الآية الكريمة التي يلام فيها النبي والمسلمون حين استغفروا لمن لا مطمع له في المغفرة:
ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم * وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم .
7
الكتاب الثاني
الفصل الأول
الفيلسوف الحائر
1
قال حاكم المدينة لصاحبيه حين سكت الغناء: ما أجمل هذا الصوت! ما أذكر أني سمعت قط شيئا يقاربه عذوبة وسحرا.
Shafi da ba'a sani ba