ولكنهما لم ينتهيا إلى ما أحبا، ولم يظفرا بما أرادا، وإنما مرا بأرض بني لحم، فطمع اللخميون فيهما، وظنوا أن عندهما مالا وثراء، فيعدون عليهما فيقتلونهما.
ويصرع الحنيف العربي، والفيلسوف الرومي، وإن لسانيهما ليذكران محمدا، وإن قلبيهما ليطمئنان إلى ذكره، وإن عمودا من نور ليهبط من السماء حتى يبلغهما، ثم يفصل منهما مصعدا في الجو وقد حمل بين ثناياه نفسين كريمتين.
قال ابن إسحاق: وحدثت أن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وعمر بن الخطاب - وهو ابن عمه - قالا لرسول الله
صلى الله عليه وسلم : استغفر لزيد بن عمرو. قال: «نعم! فإنه يبعث أمة وحده.»
الفصل الثاني
راعي الغنم
1
قالت خديجة لنسائها في صوت المروعة المأخوذة: «أقبلن فانظرن! فإني أرى شيئا ما رأى الناس مثله قط.» وأقبل نساؤها، فلما نظرن أكبرن، ثم ارتعن فتراجعن، ثم عدن فجددن النظر، وقد ذهبت بهن الحيرة كل مذهب! فقلن لخديجة مبهورات مسحورات: «ما ينبغي أن يكون هذا رجلا من الناس.» قالت خديجة وقد امتلأ صوتها حنانا وحبا، وإعجابا وإكبارا: «إنه والله لرجل من الناس قد عرفت أمه وأباه وشهدت مولده، وسمعت أحاديث الناس عنه وآراءهم فيه، وقد طالما رغبتنني عنه وحولتنني عما كانت أريد منه. فأما الآن فلن تبلغن مما حاولتن شيئا.»
وما كادت تتم حديثها حتى كان محمد بن عبد الله قد دخل عليها فأنبأها في لفظ عذب سريع بما كان من رحلته إلى الشام، وبما عاد به إليها من ربح مضاعف لم تكن ترجوه، ولم تعد بمثله إليها العير منذ تعودت أن ترسل تجارتها إلى الشام مع العير. وقد أتم محمد حديثه دون أن تعرف خديجة كيف ترد عليه هذا الحديث، أو تشكر له هذا الصنيع، أو تكافئه على ما ساق الله إليها على يديه من خير.
كانت مأخوذة بمنظره قبل أن يدخل عليها، ثم أخذت بمنظره ولفظه حين تحدث إليها. وكانت في حاجة إلى الوقت لتسترد نفسها، وتستنقذ صوابها، وتخرج إلى الإفاقة من هذا الذهول. ولكن محمدا لم يمهلها، وإنما قال لها ما قال، وانصرف عنها مسرعا كأنما أدى إليها نبأ لم يكن يرغب في تأديته، ولم يكن مع ذلك يجد بدا من أن يؤديه. فلما ألقى هذا العبء عن عاتقه انصرف خفيف الجسم، نشيط الحركة؛ وما هي إلا أن يركب بعيره وينطلق إلى بيوت بني هاشم. ولكن خديجة قد عادت مسرعة وعاد معها نساؤها مسرعات إلى حين كن ينظرن، فرأين مرة أخرى ذلك المنظر العجيب الذي راعهن وروعهن منذ حين، وعدن إلى خديجة يقلن: «ما ينبغي أن يكون هذا رجلا من الناس!»
Shafi da ba'a sani ba