A Bakin Kogin Nil
على ضفاف النيل: في عصر الفراعنة
Nau'ikan
أرجع البصر إلى الوراء بضع عشرات من آلاف السنين، وتعال معي نجول جولة سريعة في أنحاء العالم.
انظر، ها هي أمريكا النائية لا تجد للإنسان فيها أثرا.
وها هي آسيا، ماذا ترى؟ أناسا عرايا يروحون ويجيئون يبحثون عما يأكلون من أعشاب وثمار وجذور، أو يصطادون الحيوانات ليأكلوا لحومها نيئة.
وتلك هي أوروبا، هل ترى كيف يغطي الجليد سطحها؟ انظر! تلك المساحات الهائلة من الجليد تتحرك ببطء إلى الجنوب، إنها تقصف الأشجار الضخمة، وتحطم الصخور العظيمة، وتكتسح أمامها آلاف العالمين.
تعال معي الآن إلى أفريقيا، ها هو ذا نهر النيل، إنه ينساب من الجنوب إلى البحر، حيث تذوب كتل الثلج الأوروبية الهائلة فلا تصل إلى مصر. إنه ينحت طريقه وسط الهضاب. إنه يلقي رواسبه على الجانبين. انظر إلى هذه الهضاب التي تحف الوادي، هل ترى سكانها كيف يصطادون الحيوانات، ويجرون وراءها في كل ناحية؟! ها هم قد وصلوا إلى الوادي وهبطوا إليه. لقد وجدوا في الوادي حيوانات صيد بديعة. لقد استقروا في الوادي وآثروا البقاء فيه. إن ورودهم يزداد على مر الأعوام.
أتدري من هم أولئك الصيادون الذين انتقلوا من الهضاب؟ إنهم أجدادنا معاشر المصريين. أما حكايتهم فسنرويها لك في الصفحات التالية، في خلال سبعة الآلاف سنة الماضية، فهي أقدم وأطول وأمجد حكاية رواها التاريخ.
في أفق المدنية
لما هبط أولئك الصيادون الوادي، وجدوا الجو معتدلا والتربة خصبة، وشاهدوا كثيرا من الأشجار والنباتات، فتركوا الصيد وبدءوا يستلذون الخضر، ثم استطاعوا في النهاية أن يستنبتوا القمح والشعير وغيرهما من النباتات، في وقت لم يكن يعرف فيه إنسان في الأرض عن الزراعة شيئا، واضطرتهم مهنة الزراعة التي احترفوها إلى الاستعانة بالحيوانات، فكانوا أول من استأنس الحيوانات في العالم.
وفي بادئ أمرهم كانوا يعيشون جماعات قليلة، تعمل كل جماعة لنفسها، ورأوا من المصلحة أن تشترك كل بضعة من هذه الجماعات في عمل واحد، يعود عليها بالخير كحفر قناة أو درء خطر، فنشأ من ذلك أول نظام اجتماعي شهده العالم، وتكون من مدن الجماعات المتقاربة إقليم ذو حكومة واحدة.
أما أزمة الأمور في الأقاليم، فكانت في أيدي رجال الكهنة وكبار الدين الملاك، وكان لكل إقليم آلهة خاصة به، عدا ما كان يعبده المصريون جميعا من قوى الطبيعة؛ كالشمس والقمر والنيل.
Shafi da ba'a sani ba