وهناك ملاحظة أبداها الألباني عن اصطلاح الإمام المنذري في كلا القسمين، وتتمثل هذه الملاحظة في تفريقه بين المتماثلات من الأحاديث المشتركة في العلة المقتضية للتضعيف ذلك أنه ذكر في اصطلاحه الأول الخاص بما يصدره بـ (عن) أن منه الحديث الذي في إسناده راوٍ مبهم وذكر في اصطلاحه الآخر الخاص بما يصدره بـ (روي) أن منه الحديث الذي في إسناده من لم ير فيه توثيقًا.
قال الشيخ الألباني:
"المبهم يصدق عليه معنى قوله المتقدم: "لم أر فيه توثيقًا" بداهةً؛ لأنه لا سبيل إلى معرفة عينه، بَلْه حاله، فهو في حكم المسمى المجهول العين كما هو ظاهر لكل ذي عين، بل إن من لم يوثق قد يكون خيرًا من المبهم لأن الأول قد يكون روى عنه أكثر من واحد فيكون مجهول الحال، بخلاف المبهم لما سبق ... فكيف جاز له -عفا الله عنا وعنه- المغايرة بين المبهم ومن لم ير فيه توثيقًا والعلة واحدة، وهي الجهالة ... " (١).
بقي بعد ذلك سؤال مهم يتعلق باصطلاح المنذري السابق، وهو: هل التزم الإمام المنذري بالسير على اصطلاحه الذي قرره في مقدمته، أو أنه حصل له إخلال به؟
لا ريب أن المنذري مشى في كتابه على اصطلاحه السابق إلا أنه حصل له أوهام وتناقضات في تطبيقه له، وهذا ليس بمستغرب في مثل هذا العمل الموسوعي الضخم، إضافة إلى أن الحافظ المنذري قد أملى كتابه في ظروف حرجة، كما صرح بذلك في قوله: "فإن كل مصنف مع التؤدة والتأني، وإمعان النظر، وطول الفكر، قل أن ينفك عن شيء من ذلك فكيف بالمملي مع ضيق وقته، وترادف همومه، واشتغال باله، وغربة وطنه وغيبة كتبه" (٢).
وقد تمثلت الأوهام في تطبيق اصطلاحه، بتصديره لأحاديث
_________
(١) المصدر السابق ١/ ٥٥ - ٥٦.
(٢) الترغيب ٤/ ٥٦٥ - ٥٦٦.
1 / 34