لا يبدو أن النزلاء الباقين تأثروا بأجواء الإهمال والعزلة التي تلازم نهاية الموسم. تشاركت الأختان فلود-بورتر مائدة مع القس وزوجته. كانوا في مزاج رائع، وبدا أن علاقتهم توطدت؛ إذ كانوا ينهي أحدهم نكات الآخر المنتقاة من مجلة «بانش».
اختارت آيريس متأففة طاولة صغيرة في ركن بعيد، وجلست تدخن سيجارة فيما كانت تنتظر أن يقدم إليها الطعام. كان الآخرون قد بدءوا بالفعل تناول طعامهم، وكان شعور مستجد على أحد أفراد الحشد أن يكون ضمن المتأخرين.
نظرت إليها السيدة بارنز، التي لم يسمح لها كرم أخلاقها بأن تضمر لها البغض لفظاظتها، نظرة إعجاب، وقالت: «كم تبدو تلك الفتاة جميلة وهي ترتدي ثوبا!»
قالت الآنسة فلود-بورتر محددة: «ثوب ما بعد الظهيرة. نحن نحرص دائما على ارتداء ثوب سهرة على العشاء عندما نكون في أي مكان داخل أوروبا.»
قالت الأخت الصغرى مفسرة: «إن لم نتأنق في ملابسنا، فسنشعر أننا خذلنا إنجلترا.»
مع أن آيريس تناولت وجبتها على مهل شديد، اضطرت لأن تعود في النهاية إلى الردهة. كانت منهكة بما لا يسمح لها بالتنزه سيرا على الأقدام، وكان الوقت مبكرا على النوم. عندما نظرت حولها، كادت لا تصدق أنه منذ ليلة واحدة فحسب، كان المكان يعمه التألق والبهجة الأوروبيان. مع أن تلك الصفة الأخيرة جاءت معهم من إنجلترا. أما الآن وهي تخلو من الأصدقاء، فقد أثار دهشتها أن لاحظت زينتها التصنعية الرديئة. كانت الكراسي المذهبة المصنوعة من الخيزران قد فقدت بريقها، وكان البلى قد أصاب المفروشات والستائر المخملية القرمزية.
شعرت بغصة في حلقها عندما رأت كومة من أعقاب السجائر وأعواد الثقاب المستهلكة داخل أصص النخيل. كان ذلك هو كل ما تركته زمرة أصدقائها من أثر.
فيما جلست بعيدة، راقبها القس وهو يضع غليونه في فمه قاطبا حاجبيه بتأمل. كان وجهه ذو الملامح المميزة ينم عن القوة ورهافة الحس، ومزيج مثالي من المادية والروحانية. كان يشارك شباب أبرشيته لعب كرة القدم الخشنة، وبعدها يأسر نفوسهم، وكان لديه تفهم حقيقي لمشكلات نساء أبرشيته.
عندما أخبرته زوجته عن رغبة آيريس في العزلة، استطاع أن يتفهم شعورها؛ إذ كان يتوق في بعض الأحيان إلى الهروب من الناس جميعا حتى زوجته. كان يميل إلى تركها لعزلتها المضجرة، لكن قلبه رق لحالها عندما رأى الهالات السوداء تحت عينيها، والحزن الذي ارتسم على شفتيها.
في نهاية المطاف، قرر أن يكابد صدها الجافي له في سبيل إراحة ضميره. كان يعلم أنه سيلقاه؛ إذ رفعت بصرها إليه بسرعة تأهبا عندما رأته يقطع الردهة.
Shafi da ba'a sani ba