يا رب عجل رحلتي
واغفر ذنوبي بالحبيب
فلما رأتني مقبلة عليها دست رقعة الشعر تحت وسادتها بسرعة، ولكني بادرت في الحال لاستخراجها، فاختطفتها مني، ثم خاطبتني قائلة: «لا تعبئي يا أمي المشفقة بمثل هذه الثرثرة.» ثم قالت لجاريتها: «خذي هذه الورقة فاحرقيها.» فلحقت بالجارية وأخذت الورقة منها وألححت عليها بالسؤال فأجابتني: «إن سيدتي تتناول الطعام معك إذعانا لرأفة أمومتك، ولكن الطعام لا يبقى بعد ذلك لحظة في جوفها وهي تذهب كل ليلة إلى سرير نومها تطمينا لقلبك غير أنها لا يغمض لها جفن» ...
18
إن نحن وجدنا هنا دليلا جديدا على لطافة توحيدة وحرصها على راحة والدتها، فلا يسعنا إلا التعجب كيف أن الأم الشديدة الحب لم تلمح على وجه ابنتها أمارات المرض. نتعجب - لولا الاستدراك بأن التي ترى أن ثغر توحيدة الزاهي لا يسع ثلاث نقط فيقلب الشين سينا قد تعثر بسرعة على عذر شعري يكتفي به قلبها لكل تغير وكل شحوب.
أما وقد ثبت أن الفتاة مريضة حتى لترثي نفسها، فهاتوا الأطباء، وهاتوا العلاجات، وبالغوا في الاعتناء والمداراة! إلا أن المقدور نافذ لا محالة. والمريضة تعلن ذلك وتلقي على والدتها كلمات التعزية والتشجيع. إنها أقبلت على عالم السر والرهبة فاستمدت منه الحكمة التي تهبط على كل من حاذاه. واستلهمت الغيب إرشادا للمتخلفين فقامت، وهي الصغيرة وهم الكبار، تعظهم بسطوة الراحل وحقه على النصح والتوديع الهادئ:
عبثا تدفعك الشفقة يا أماه إلى معالجة أمراضي؛ فإنه قد آن الأوان. ولا مناص من تلبية نداء المنادي «كل من عليها فان»، وإني أضرع إلى الله أن يلهمك صبر أيوب وأن يمنحني نعمة رضاك فيكون ذلك سبب الرحمة والتجاوز عن سيئاتي وأن يصون شقيقتي وإخوتي.
ثم ضمتني إلى صدرها فاعتنقنا. وبتنا ليلتنا إلى الصباح في بكاء وانتحاب ونواح.
19
قضت توحيدة، فأقامت لها الأم مناحة دامت سبعة أعوام متوالية، فأضعف البكاء نظرها وأصابها الرمد. «وهنالك كثرت لواحيها وعواذلها من أولادها وصويحباتها.» «وأخيرا سمعت قول الناصحين وقللت شيئا فشيئا من البكاء والنوح حتى شفاها الله من مرض العيون.»
Shafi da ba'a sani ba