وروى ما تلا ذلك من انتشار التمرد في الأقاليم؛ زيارة الملكة تيى لأخت آتون، اللقاء التاريخي بين كاهن آمون ورجال إخناتون. •••
قال: ولما يئس الخبيث الماكر من رجاله، وعلم بتفكير الكهنة في اختيار توت عنخ آمون للعرش، أشرك سمنخ رع معه في عرشه، ولكني نجحت في اغتيال الشاب بوسائلي الخاصة، وإذا بالبناء يتصدع باختفاء نفرتيتي نفسها، فمات الشر، ولكن بعد أن نفث سمه في جميع الأوصال. وقد كان من سوء حظنا جميعا أن ساقه قدره إلى اختيار نفرتيتي زوجة له. حقا إنها امرأة قوية الشخصية، راجحة العقل، فائقة الجمال، ولكنها مثله مريضة بالطموح، فآمنت في الظاهر بدينه، وشاركته في الواقع مكره وخبثه. وعلى اليقين لم تكن تحبه، وما كان في وسعها ذلك، ولكنها هامت بالقوة والسيادة المطلقة. ولعلها دليل آخر على الدور الخفي الذي قام به الداهية آي الذي كان يتلقى في المناسبات هدايا الذهب تنثر عليه وعلى زوجته تي من الشرفة الملكية، فيحملها العبيد في القدور إلى قصره. ولكن كيف تعامت المرأة الذكية عن عواقب سياسة زوجها على البلاد والإمبراطورية؟ وهل آمنت حقا برسالة الحب والسلام؟! الحق أني لا أتصور ذلك ولا أسيغه، ولكن لعلها غالت في تقدير سحر العرش الفرعوني، وتوهمت أنه السحر الذي يغني عن العقاب والسيف وجيش الدفاع. ولعلها أدركت الخطأ في وقت مبكر، ولكنها خافت أن تعلن وساوسها فتفقد ثقة زوجها، فاستسلمت للمقادر. ولما تخلت الحاشية عن الملك تخلت عنه متعلقة بأمل أخير؛ ألا يغدر بها عشاقها. وأعتقد أن حور محب حاول إقناع الكاهن الأكبر بقبولها في طيبة، ولكنه رفض ذلك، وأصر على الرفض. وقد مات المارق وما زالت هي تتنفس في سجنها متجرعة الأحزان والحسرات.
لو أن الذي خلف أمنحتب الثالث على عرشه عدو من الحيثيين، لما استطاع أن يفعل بنا أكثر مما فعل المارق اللعين ...
تي
هي زوجة الحكيم آي، في السبعين من عمرها، صغيرة الجسم، ممتازة في صحتها بالقياس إلى عمرها، حلوة المحضر. وقد تزوج منها آي عقب موت زوجته الأولى أم نفرتيتي، فتلقتها تي وهي بنت عام أو عامين، ثم أنجبت له موت نجمت. ولما رفع الحظ نفرتيتي إلى العرش اختارت تي ضمن حاشيتها، ووهبتها لقب «مربية الملكة». ولولا أنها كانت تحبها ما فعلت ذلك، وهو ما يدل على أن تي أحاطت نفرتيتي برعايتها وحبها، وأنها لم تكن «امرأة أب» بالمعنى المألوف.
وقد سردت لها المعلومات التي حصلتها عن الأحداث التاريخية، ثم قلت: لا داعي للتكرار إن لم يكن لديك إضافة أو تعديل حفظا على وقتك وراحتك.
فقالت تي: لم أخالط الملك رغم قربي من زوجته، ولعله لم يخاطبني إلا مرات معدودة، ولكن عذوبته لا تبرح القلب أبدا. وقد عرفنا عنه الكثير من بعيد عن لسان زوجي آي الذي اختير لتعليمه. وأذهلنا ما سمعنا عن موقفه من آمون، وميله مع آتون، ثم أذهلنا أضعافا ما قيل عن اكتشافه للإله الجديد. الحق أنه أذهلني أنا وابنتي موت نجمت، أما حبيبتي نفرتيتي فكان لها موقف آخر. ولكن علي قبل ذلك أن أعرفك بها، إنها بنت ذكية، وذات روح متوثبة تعشق الجمال وتهيم بالأسرار الدينية، ونضجها يفوق سنها بكثير، حتى قلت يوما لزوجي آي: يخيل إلي أن ابنتك ستكون كاهنة!
وكان ينشب بينها وبين موت نجمت ما ينشب بين الأخوات الصغيرات من نزاع وخصومات عابرة، ولكن الحق كان دائما معها، ولا أذكر أنها تورطت في خطأ مرة، وكانت تصالح أختها كما يصالح الكبير الصغير. وكانت تتفوق في تعليمها لدرجة خشيت معها على ابنتي من ردة فعل يتعذر إصلاحها. وجعلت تتلقى كلمات ولي العهد بإعجاب فتميل معه إلى آتون، ثم تباغتنا بإعلان إيمانها بالإله الواحد. وقالت لها موت نجمت: إنه كافر.
فقالت بيقين: لقد سمع صوت الإله.
فصاحت بها: وأنت أيضا كافرة!
Shafi da ba'a sani ba