فقالت بثبات: أيها الكاهن المقدس، قلبي مليء بالحب والإخلاص.
فقلت بوضوح: مصر مثوى التقاليد الخالدة، والمرأة هي الوعاء المقدس للتقاليد.
فقالت بالثبات نفسه: وقلبي مليء بالواجب أيضا.
يا لها من حذرة متحفظة كتمثال بلا نقوش تفسره. لقد تكلمت ولم تقل شيئا، ولم يكن بوسعي أن أكاشفها بأكثر من ذلك. غير أنها في الحقيقة قد قالت أكثر من المتوقع. إن تحفظها يعني أنها تعرف كل شيء، وأنها لن تكون معنا. إنها مرشحة للعرش بضربة حظ خليقة أن تدير أكبر رأس، وسيكون همها الأول في الحياة المحافظة على العرش، لا آمون ولا الآلهة. وأقمت مع الكهنة صلاة للحزن في قدس الأقداس، ثم وافيتهم بفحوى الحوار بيني وبين نفرتيتي، فقال توتو معلقا: سينكشف الغد عن ليل طويل.
ثم خلا إلي متسائلا: ألا تستطيع أن تناقش المستقبل مع القائد ماي؟
فلمحت ما يرمي إليه وقلت بصراحة: لا نستطيع أن نتحدى أمنحتب الثالث والملكة العظمة تيى.
بدا أن الأمور لا تسير يسيرة في القصر بين المجنون ووالديه؛ من أجل ذلك صدر أمر ملكي لولي العهد ليقوم برحلة تعارف في أرجاء الإمبراطورية. ولم أشك في أن الملك أراد أن يعرف ابنه رعاياه، وأن يعيش الواقع لعله يفيق من ضلاله. وحمدت له ذلك في نفسي، غير أن كآبتي ظلت راسخة. وفي أثناء الرحلة حدثت أمور على جانب كبير من الأهمية؛ فقد أنجبت تيى توءمين هما سمنخ رع وتوت عنخ آمون. بعد فترة تدهورت صحة الملك العجوز ومات، ورحل مبعوثون إلى ولي العهد بالأخبار ليرجع فيتولى سلطته. وتشاورنا نحن الكهنة حول مستقبل البلاد فاتفقنا على رأي. وسعيت إلى مقابلة الملكة تيى رغم الحداد وانشغالها بتحنيط زوجها. وجدتها في حزنها قوية ثابتة واعية بأهدافها، وكان علي أن أصارحها بما جئت من أجله مهما كلفني ذلك. قلت: جئت يا مولاتي لأفضي برأيي إلى الأم الشرعية للإمبراطورية.
وأصغت إلي ومنظرها يوحي بأنها تحدس بفطنة ما سيقال. - مولاتي، أصبح معروفا أن ولي العهد قد كفر بجميع الآلهة.
فتجهم وجهها وقالت: لا تصدق كل ما تسمع.
فقلت بلهفة: إني على استعداد لتصديق ما تقولين يا مولاتي.
Shafi da ba'a sani ba