كتاب فيه معرفة الله عز وجل من العدل والتوحيد وتصديق الوعد والوعيد وإثبات النبوة والإمامة في النبي وآله عليهم السلام

رواية الإمام المرتضى لدين الله عن أبيه الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين صلوات الله عليهم أجمعين

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين ابن رسول الله صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين وسلامه:

Shafi 59

التوحيد ونفي التشبيه

| التوحيد ونفي التشبيه

أول ما يجب على العبد أن يعلم أن الله واحد أحد، صمد فرد، ليس له شبيه ولا نظير، ولا عديل، ولا تدركه الأبصار في الدنيا ولا في الآخرة، وذلك أن ما وقع عليه البصر فمحدود ضعيف، محوي محاط به، له كل وبعض، وفوق وتحت، ويمين وشمال، وأمام وخلف، وأن الله لا يوصف بشيء من ذلك، وهكذا قال لا شريك له: { لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير } [الأنعام:103]، وقال: { قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد } [الإخلاص:14]، والكفو فهو المثل والنظير والشبيه، والله سبحانه ليس كمثله شيء، وقال: { وهو معكم أين ما كنتم } [الحديد:4]، وقال: { ونحن أقرب إليه من حبل الوريد } [ق:16]، وقال: { ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا } [المجادلة:7]، وقال: { وما كنا غائبين } [الأعراف:7]، يعني في جميع ذلك أن علمه محيط بهم، لا أنه داخل في شيء من الأشياء كدخول الشيء في الشيء، ولا خارج من الأشياء بائن عنها فيغبى عليه شيء من أمورهم، بل هو العالم بنفسه، وأنه عز وجل شيء لا كالأشياء؛ إذ الأشياء من خلقه وصنعه، وقال عز وجل: { قل أي شيء أكبر شهادة قل الله } [الأنعام:19]، فذكر سبحانه أنه شيء؛ لإثبات الوجود ونفي العدم، والعدم لا شيء.

Shafi 60

العدل

| العدل

ثم يعلم أنه عز وجل عدل في جميع أفعاله، ناظر لخلقه، رحيم بعباده، لا يكلفهم ما لا يطيقون، ولا يسألهم ما لا يجدون، و{ لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما } [النساء:40]، وأنه لم يخلق الكفر ولا الجور ولا الظلم، ولا يأمر بها، ولا يرضى لعباده الكفر، ولا يظلم العباد، ولا يأمر بالفحشاء، وذلك أنه من فعل شيئا من ذلك، أو أراده أو رضي به، فليس بحكيم ولا رحيم، وإن الله لرؤوف رحيم، جواد كريم متفضل، وأنه لم يحل بينهم وبين الإيمان، بل أمرهم بالطاعة، ونهاهم عن المعصية، وأبان لهم طريق الطاعة والمعصية، وهداهم النجدين، ومكنهم من العملين، ثم قال: { فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } [الكهف:29]، وقال: { فما لهم لا يؤمنون } [الانشقاق:20]، وقال: { وماذا عليهم لو ءامنوا بالله واليوم الآخر } [النساء:39]، أو يأمرهم بالكفر؛ ثم يقول: { وكيف تكفرون } [آل عمران:101]؟ أو يصرفهم عن الإيمان، ثم يقول: { فأنى تصرفون } [يونس:32]؟ أو يقضي عليهم بقتل الأنبياء صلى الله عليهم؛ ثم يقول: { فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين } [البقرة:91]؟

Shafi 61

أفعال العباد

| أفعال العباد

والله عز وجل بريء من أفعال العباد، وذلك قوله تبارك وتعالى: { إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون } [النحل:90]، وقال سبحانه: { وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها ءاباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون } [الأعراف:28]، ثم قال: { سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا ءاباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون } [الأنعام:148]، فأكذبهم الله في قولهم، ونفى عن نفسه ما نسبوه إليه بظلمهم. وقال سبحانه: { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } [الذاريات:56]، فذكر أنه خلقهم للعبادة لا للمعصية، وكذلك نسب إليهم فعلهم حيث يقول: { وكل شيء فعلوه في الزبر } [القمر:52]، يقول: فعلوه، ولم يقل: فعله، بل نسبه إليهم؛ إذ هم فعلوه.

وقال عز وجل في فعله هو: { الله خالق كل شيء } [الرعد:16، الزمر:62]، يقول: هو خالق كل شيء يكون منه، ولم يقل: إنه خلق فعلهم، بل قال: { وتخلقون إفكا } [العنكبوت:17]، يقول: تصنعون وتقولون إفكا، كما قال: { تتخذون منه سكرا } [النحل:67]، يقول: أنتم تجعلونه.

Shafi 62

وتبيين الكفر والإيمان من الله عز وجل، وفعلهما من الآدميين، ولولا أنه عز وجل بين لخلقه الكفر والإيمان؛ ما إذا عرفوا الحق من الباطل، ولا المعتدل من المائل، ولكن عرفهم بذلك، كما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه في بعض مواعظه: ((خلقنا ولم نك شيئا، وأخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئا، فغذانا بلطفه، وأحيانا برزقه، وأطعمنا وسقانا، وكفانا وآوانا، ووضع عنا الأقلام، وأزال عنا الآثام، فلم يكلفنا معرفة الحلال والحرام، حتى إذا أكمل لنا العقول، وسهل لنا السبيل، نصب لنا العلم والدليل، من سماء ورفعها، وأرض وضعها، وشمس أطلعها، ورتوق فتقها، وعجائب خلقها، فعرفنا الخير من الشر، والنفع من الضر، والحسن من القبيح، والفاسد من الصحيح، والكذب من الصدق، والباطل من الحق، أرسل إلينا الرسل، وأنزل علينا الكتب، وبين لنا الحلال والحرام، والحدود والأحكام، فلما وصلت دعوته إلينا، وقامت حجته علينا؛ أمرنا ونهانا، وأنذرنا وحذرنا، ووعدنا وأوعدنا، فجعل لأهل طاعته الثواب، وعلى أهل معصيته العقاب، جزاء وافق أعمالهم، ونكالا بسوء فعالهم، { من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد } [فصلت:46])).

وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل، حيث يقول: { وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق } [الأعراف:43]، وقال النبي صلى الله عليه وعلى أهل بيته: ((صنفان من أمتي لا تنالهم شفاعتي، قد لعنوا على لسان سبعين نبيا: القدرية والمرجئة. قيل: وما القدرية يا رسول الله ؟ وما المرجئة ؟ فقال: أما القدرية فهم الذي يعملون المعاصي ويقولون: إنها من الله قضى بها وقدرها علينا. وأما المرجئة فهم الذين يقولون: الإيمان قول بلا عمل.)) ثم قال صلى الله عليه وآله: ((القدرية مجوس هذه الأمة)).

Shafi 63