والحكم أيضا في الأموال كذلك، قد جعل الله تعالى في السراق قطع الأيدي، وقيده بالنصاب وبالحرز، فإن عاد فرجله من خلاف. فجعل الحكم في المحاربين قطع الأيدي والأرجل من خلاف ولم يقدره بالنصاب، فأضعف عليهم الحكم من كل الوجوه ولو لم كانوا في العدد أمة من الأمم. فسووا بين من أخذ وبين من لم يأخذ وبين من قتل وبين من لم يقتل. ومن وراء هذه الداهية العظمى لأهل الاستدلال والإيالة صنيع عمر بن الخطاب رضي الله عنه وسنته في أهل الشورى، فإنه أمر أبا طلحة عن أنس بن مالك يدخلهم دارا ويقعد على بابها وينتظرهم ثلاثة أيام فإن لم يتفقوا على واحد بعينه أن يدخل إليهم، وأعطاه سيفا فيقتلهم عن آخرهم. كان أبو/ طلحة ممن على رسول الله عليه السلام بالسيف يحرسه إذا حضرت الوفود وهي ولاية أبي طلحة معروف بذلك عند المهاجرين والأنصار، وحكم عمر بهذا الحكم بمحضر أهل الشورى وهو القدوة. ولم ينكر عليه أحد بمحضر المهاجرين والأنصار ولم يختلف عليه منهم رجلان فمن أين حلت دماء هؤلاء إن لم يتفقوا، بل إن لم يولوا واحدا منهم؟ وأي معصية ارتكبوها، وأي مظلمة لأحد من الناس عندهم؟ بلى إن عليهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد تعينت عليهم الولاية فإن أضاعوها أضاعوا أمرا عظيما. فها هنا تعرضت المسائل في توليتهم: أرأيت لو اتفقوا أربعة على واحد ومنه السادس أكانوا يقتلون جميعا أو يتقل السادس؟ فإن كانا اثنين واتفق ثلاثة على واحد، أيقتلون جميعا أو يقتل اثنان؟ وإن كانوا ثلاثة وثلاثة، ما الحكم فيها؟ وإن أنفوا جميعا من الولاية، أيتركون أم/ يقتلون؟ وهذه مسألة اجتهادية لم يقطع فيها عمر رضي الله عنه بجواب إلا السيف. فأي إيالة وأي سياسة أعظم من استصلاح الأمة بثلثيها وقد أفتى عمر واستلح الثلث بالثلثين، بل قد استصلح الاثنين بالثلاثة أثلاث. وحسبك اختيار عمر رضي الله عنه إياهم من الأمة، وهم أهل السابقة في الإسلام والعلماء بالله، والأئمة والقدرة في الدين وبقية العشرة ونجوم أصحاب رسول الله عليه السلام. فأراد عمر أن يستصلح بهم أوباش هذه الأمة. فلو أنفق أحدهم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه. فكيف استصلح بهم الغثراء والغوغاء والعامة الذين يضيقون الأسواق على الناس ويغلون الأسعار. وفي هذه الأمة أحكام إيالية تعجز أهل البصائر عن معرفتها فضلا/ عمن دونهم، لكن تلقتها الأمة بالقبول عن السلف الصالح. ومنها مصادمة النصوص في مصلحة الخصوص إيالة أو جهالة، والله المستعان.
باب البيعة ونقض الصفقة
والكون تحت أيدي الظلمة والتغرب بعد الهجرة
وقد تقدم القول في بيعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنها إجماع من الأمة، وأنها بيعة رشد، ثم من بعده من الخلفاء الراشدين ثم تحول الأمر ملكا وجبرية بزبزية (¬1) . فمن دعا إلى البيعة فإن كانت قد أسست على
Shafi 367