فإن قال قائل: في الآية ما يدل على أن من ترك المندوب أو المباح أو الواجب أنه ترك سبيل المؤمنين ما لم يخرج منها كلها أو بعكسها قولا. وذلك إن ترك المباح إلى المندوب فقد ابتع سبيل/ المؤمنين، وإ، ترك المندوب إلى الواجب فقد اتبع سبيل بعض المؤمنين. وأما في القول فلا يترك قول المؤمنين في واحدة منهن إلا خرج عن سبيل المؤمنين. ودليل آخر من كتاب الله عز وجل قوله: { كنتم خير ...... المنكر .. } (¬1) ، فكما قدمنا فوجه الدلالة فيما قلنا لما وصفهم الله عز وجل بهذا الشأن العظيم أوجب على الخلق اتباعهم في فعل المعروف وترك المنكر وجعلهم حجة إذ أطلق هذا الاسم. فما أتت به هذه الأمة من الفروع كان سبيلا لهم معروفا. وما نهت عنه كان منكرا متروكا فمن اتبعهم اهتدى، فاجتماعهم أولى.
وهذه الآية أيضا دالة على سوغ الاختلاف لأهل الاجتهاد. ودليل آخر، قول الله تعالى: { كان الناس أمة/ واحدة ............ومنذرين.. } (¬2) إلى أن قال: { فهدى الله ..... بإذنه } (¬3) ووجه الدلالة أن الله تعالى وعد هذه الأمة الهداية في كل ما اختلف فيه الأمم قبلهم، فإن حصره على البعض فالإجماع أولى. وذكر الله عز وجل هذا في معرض الامتنان والتعظيم والاحسان والتفخيم، وفيه الرد على من قال إن اجتماع الأمة لا يعلم من جهة العقل، فهم والغير سواء في جواز الخطأ عليهم. لكن الله يمن على من يشاء من عباده. ودليل آخر قوله تعالى: { وكذلك ......... شهيدا } (¬4) فكما لا يجوز الخطأ على رسول الله عليه السلام في شهادته عليهم، فكذلك لا يجوز الخطأ عليهم في شهادتهم. وليست/ شهادتهم أكثر من أفعالهم، وقد وصفهم وقال: { جعلناكم أمة وسطا } (¬5) . والوسط: العدل كما قدمنا. فإن كانت شهادة الآحاد جائزة فهي في الجمع أجوز.
Shafi 240