أولهما علم البنية، وهو علم الإنسان بوجوده وبذاته وأفعاله وصفاته، وما يختلف عليه من حالاته، وما يجد من آلامه ولذاته، وقتبس من ذلك استمرار هذه الأشياء على جميع أبناء جنسه ولداته (¬1) . وإن كان/ هذا العلم ضروريا فربما تختل عليه هذه الأمور إذا كانت البنية مأفوهه (¬2) أو معتوهه: فتلتبس الحقائق بالخيال، والدقائق بالجلال، مثل ما يعترض المبرسمين (¬3) من العقلاء والمجانين.
الثاني: ما علما من العقليات الواجبات والجائزات والمستحيلات، فهذه العلوم ضرورية، وربما تفع في نفس الإنسان من أول وهلة، وربما تقع بعد تردد الخاطر فيها. فأما وقوعها من أول وهلة فكالحادثات في اقتقارها إلى محدث، والبناء إلى بان، والكتابة إلى كاتب، وسبق النفوس إلى استحسان الفاعل لحسن فعله، وذمه لسوء فعله.
فأما ما يكون عن تردد الخاطر فما يعد من الأعداد كالألوف عند الآلاف في حق أناس، والآلاف عند المئين في حق آخرين، وفوق ذلك إلى ما دون ذلك في حق آخرين حتى ينتهي إلى ما سبق عند النفس علمه/ من التفرقة بين الواحد والأثنين والبعض من الكل، والأقل من الأكثر.
والجائزات كذلك؛ فمنها ما يقع العلم به من أول وهلة، كالممعتاد من الأمور في الشمس والقمر والنجوم والسحاب والمطر والنبات، والشجر والسماء والأرض والدواب والبشر.
Shafi 19