71

Budurwar Quraysh

عذراء قريش

Nau'ikan

فالتفتت العجوز يمنة ويسرة تحاذر أن يسمعها أحد وأدنت شفتيها من أذن أسماء وهمت بالكلام، ثم أجفلت بغتة وابتعدت عنها وأصغت فإذا بوقع أقدام خفيفة ثم بقارع يقرع الباب وجارية تناديها، فنهضت وفتحت الباب فدخلت جارية حبشية حيتها وقالت: «إن مولاتي أم المؤمنين تدعوكما إليها.» •••

فسرت أسماء لهذه الدعوة على أمل أن تتمكن من الاطلاع على شيء مما ترومه، ودخلتا على عائشة فإذا هي جالسة على طنفسة من السجاد الثمين وقد خلعت الجلباب فبانت أثوابها الزاهية، وبان معصماها وعنقها، وعليها الدمالج والأساور والعقود مما زادها مهابة وجمالا. فلما دخلتا قبلتا يديها وجلستا على وسائد من الدمقس الملون بالقرب منها، فلبثت برهة لا تتكلم ثم وجهت خطابها إلى العجوز وقالت: «كيف قتلوا عثمان يا خالة؟»

قالت: «دخلوا عليه عنوة وقتلوه في داره بعد أن أحرقوا الباب والسقيفة.»

قالت: «من قتله؟ وكيف كان ذلك؟»

فسكتت العجوز برهة ثم قالت: «لا أظنني أستطيع وصف الحادثة كما تصفها أسماء فقد شهدتها بنفسها وكانت في داره ساعة مقتله.» فالتفتت عائشة إلى أسماء وقالت: «هل كنت في الدار ساعة القتل؟» قالت: «نعم يا مولاتي.»

قالت: «وكيف كان ذلك؟» فشق على أسماء أن تقص الواقعة كما جرت لأنها تمس محمدا، ولكنها لم تر بدا من الجواب فقالت: «يطول الحديث لو أردت بسطه، ولكني أوجزه فأقول: إنهم استتابوه فتاب ثم رجع، ولقد نصح له علي بأن يصم أذنيه عن سماع مشورة كاتبه وابن عمه مروان فلم يصغ، وعاد إلى ما كان عليه. وعلم الثائرون ذلك فطلبوا إليه أن يسلمهم مروان فيعودوا، فلما أبى دخلوا منزله عنوة وقتلوه.»

قالت: «ومن قتله؟» قالت: «اثنان لا أعرفهما ولكنهما من صعاليك العرب، وليسا من الصحابة ولا من أبنائهم.»

فتأوهت عائشة وحرقت أسنانها وقالت: «كيف يقوى الصعاليك على قتل الخليفة وكبار الصحابة ينظرون ولا يدفعون عنه بسيف أو لسان؟!»

فقالت أسماء: «إنهم دافعوا عنه جهدهم، إن عليا أرسل ابنيه الحسن والحسين إلى الدار، وكذلك فعل الصحابة. رأيتهم هناك يدفعون الناس عن بابه حتى تلطخ وجه الحسن بالدم. ولكن عثمان - رحمه الله - منعهم.»

فتبسمت عائشة ابتساما إنكاريا، وقالت: «أتصدقين أن عليا أراد أن يدفع الناس عن عثمان فلم يستطع؟!» وسكتت كأنها ضاقت ذرعا بالخوص في تفاصيل الموضوع، وكادت تهم باستئناف الحديث فابتدرتها قائلة: «اسمحي لي يا مولاتي أن أؤدي شهادة لا أستحي أن أصرح بها أمام الديان العظيم: إن عليا بريء من دم عثمان، بل هو أول ناقم على هذه الفتنة ويراها مضعضعة الإسلام لا سمح الله!»

Shafi da ba'a sani ba