70

Budurwar Quraysh

عذراء قريش

Nau'ikan

فلما تهيأت الأحمال بعثت عائشة إلى العجوز وأسماء فركبتا معها، وسار الجميع قاصدين البيت الحرام، وأسماء صامتة وقد أدهشها ما رأته من تغير عائشة بغتة لأمر لم تكن تتوقعه. على أنها مالت لمعرفة الدليل على صحة قولها في مقتل عثمان وهو الأمر الذي كان يقض مضجعها، وكانت من جهة أخرى تخشى أن يثبت قتله ظلما فيحدث ما يدعوها إلى البعد عن محمد وهذا ما لا تطيقه، فقضت مسافة الطريق هائمة الفكر حتى أطلت على مكة وأشرفت على الكعبة، وهي في وسطها كأنها ملك والأبنية حولها جنود. ولم يمض قليل حتى وصل ركبهم إلى الكعبة فترجلت عائشة وترجل الجميع، وسارت توا إلى الحجر فاستترت فيه، وهو مصطبة محوطة بحائط إلى ما دون الصدر، منه ما تركت قريش من الكعبة واقتصرت في بنيان الكعبة عنه، ويقال إن فيه قبر سارة. فلما رأتها أسماء تدخل الحجر دخلت في أثرها والعجوز معها، ولكنهما لم يتكلما لتهيبهما من غضبها. •••

ما كادت عائشة تدخل الحجر حتى اجتمع الناس حولها وفي مقدمتهم عبد الله بن عامر الحضرمي عامل عثمان على مكة، ورأت أسماء بينهم جماعة من بني أمية ممن غادروا المدينة بعد مقتل عثمان ولم يكن مروان معهم. ولم يكد يستقر بالناس المقام حتى وقفت فيهم عائشة وقالت وهم سكوت يصغون إليها، وكانت جهورية الصوت: «أيها الناس، إن الغوغاء من أهل الأمصار وأهل المياه وعبيد أهل المدينة، اجتمعوا على هذا الرجل المقتول ظلما ونقموا عليه استعمال من حدثت سنه وقد استعمل أمثالهم من كان قبله، ومواضع من الحمى حماها لهم، فتابعهم ونزع لهم عنها. فلما لم يجدوا حجة ولا عذرا بادروا بالعدوان، فسفكوا الدم الحرام وأخذوا المال الحرام. والله لإصبع عثمان خير من طباق الأرض أمثالهم ، ولو أن الذي اعتدوا به عليه كان ذنبا لخلص منه كما يخلص الذهب من خبثه أو الثوب من درنه!»

فما أتمت كلامها حتى هاج الناس وماجوا، ثم تصدى عبد الله بن عامر الحضرمي وقال والناس يسمعون: «ها أنا ذا أول طالب.» وكان هو أول من أجاب الدعوة إلى المطالبة بدم عثمان.

وكانت أسماء تزداد حيرتها ولا تفقه لهذا الأمر سببا معقولا، فالتفتت إلى العجوز فرأتها صامتة مطرقة وقد امتقع لونها وارتجفت شفتاها. فأدركت أن في الأمر سرا لا تستطيع أن تبوح به.

وأذنت الشمس بالمغيب فأشارت عائشة إلى الناس أن ينصرفوا فتفرقوا، وخرجت هي إلى منزلها وأسماء في أثرها وقد هالها ما رأته في يومها من المدهشات.

وجاء القوم إلى منزل عائشة في العشاء فأطعموا، ولم تجرؤ العجوز ولا أسماء أن يجلسا معها تلك الليلة، فباتتا وأسماء تنتظر الغد لترى عائشة وتستطلعها الخبر اليقين. فلما أقبل الصباح نهضت أسماء والعجوز، وقالت أسماء: «لقد أدهشني أمر لم يبق لي صبر على السكوت عنه، وليس لي من يفرج كربتي سواك.»

قالت: «سلي ما تريدين؟»

قالت: «لقد سمعت من أم المؤمنين ما جهرت به في شأن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وهو كما تعلمين ابن عم الرسول وهي زوجه، فما بالها تعمل عليه وكان أولى بها أن تكون معه؟!»

ففهمت العجوز وجالت بعينيها ونهضت كأنها تقول: «لا يعنيني هذا ولا أريد البحث فيه.» وكانت ملامح وجهها تنم عن تكتمها، فتوسلت إليها وألحت عليها فقالت: «إن في الأمر سرا قل من يعرفه سواي، ولكنني أخاف أن أبوح به.»

فازدادت أسماء شوقا لسماع السر، وجرت نفسها على البساط حتى التصقت بها وقالت: «بالله عليك فرجي كربتي بكلمة، ولن أبوح بشيء مما تقولين!»

Shafi da ba'a sani ba