145

Budurwar Quraysh

عذراء قريش

Nau'ikan

عمرو يعود إلى القاهرة

مر بنا ما كان من اجتماع دعاة عثمان في مصر وعزل قيس بن سعد عنها بما دبره معاوية من الحيلة حتى أفسد ما بينه وبين علي، ثم ما كان من تولية محمد بن أبي بكر، فلما تولاها محمد بعث رجلا من خاصته لحرب أهل خربتا القائمين بدعوة عثمان، فقتلوه وتعاظم أمرهم وفسدت مصر كلها على محمد . فبلغ ذلك عليا فقال: «ما لمصر إلا أحد الرجلين.» يعني قيسا أو الأشتر، وكان قد عزل قيسا فلم يرجع إليه، فبعث إلى الأشتر وكان قد عاد بعد صفين إلى عمله في الجزيرة، فلما جاءه أخبره خبر مصر وقال: «ليس لها غيرك فاخرج إليها، فإني لو لم أوصك اكتفيت برأيك.» فخرج الأشتر شاخصا إلى مصر، وأتت عيون معاوية إليه بذلك فعظم الأمر عليه، وكان قد طمع في مصر لكثرة خيراتها ليستعين بها على أعماله وحروبه، وعلم أن الأشتر إن قدمها فسيكون أشد عليه من محمد بن أبي بكر.

وكان على حدود مصر يومئذ بلدة اسمها القلزم بالقرب من مكان السويس، يغلب أن يمر بها القادم من الشام إلى مصر، وكانت القلزم هذه في حوزة معاوية.

فبعث معاوية إلى صاحب خراجه في القلزم يخبره بمسير الأشتر إلى مصر، وقال له: «فإن كفيتنيه لم آخذ منك خراجا ما بقيت وبقيت.»

فلما مر الأشتر بالقلزم استقبله صاحب خراج معاوية فعرض عليه النزول فنزل عنده، وأتاه بطعام فلما أكل أتاه بشربة من عسل قد جعل فيها سما فلما شربها مات، فظلت مصر بإمرة ابن أبي بكر. فازداد طمع معاوية فيها وهو يرجو منها خيرا، فاستشار ابن العاص فقال: «علي بها، إني فاتحها الأول، ومن أولى بها مني؟» وجرد جيشا كبيرا وسار قاصدا مصر، فلما علم محمد بحملته بعث إلى الإمام يستنجده، وعلمت أسماء بذلك فسارت إليها كما تقدم.

وكان محمد لم ير أسماء منذ افترقا في البصرة يوم خرج مع أخته أم المؤمنين إلى مكة، على أنه علم بما دار بينها وبين الإمام علي على أثر وقعة الجمل في شأن خطبتها للحسن، إذ أخبره الحسن نفسه بذلك وهو لا يدري أنه مناظره عليها. وقد سر محمد مما قاله الإمام علي من أن غموض نسبها يمنع الحسن من زواجه بها، كما سره تحققه من بقاء أسماء على عهده، وأخبره الحسن أيضا أنها سارت إلى بيت المقدس لمعرفة اسم أبيها. ولكنه نظرا إلى اشتغاله بإمارة مصر وما أحاط بها من المشكلات وما قام فيها من الثورات المتوالية، التي أضرم نارها دعاة عثمان في خربتا وغيرها؛ لم يتمكن من مكاتبتها. ولكنه كان يسأل عنها ويتحسس أخبارها، فكان تارة يعرف مقرها وطورا لا يعرفه، وآخر ما علمه أنها كانت في مجلس الإمام علي يوم خالفه أصحابه في قبول التحكيم، وسمع ما أظهرته هناك من الحمية، فتذكر حديثها وتصورها أمامه تشير بيدها وتتكلم وتتهدد، فارتاح لتلك الذكرى واشتاقت نفسه للقياها.

على أنه عاد فتذكر ما رآه الإمام علي من حيلولة غموض نسبها دون اقتران الحسن بها، فقال في نفسه: «إذا عرفت أباها كان أمرها إشكالا فإن الحسن لا يتخلى عنها، وإذا أرادها الحسن وطلبها له أبوه فكيف أطلبها أنا؟» فلما تخيل ذلك عظم عليه الأمر، وتمنى لو بقيت على جهلها نسبها فتكون أقرب إليه، وصورت له الغيرة أن حرمانهما معا منها خير من أن يأخذها أحد غيره.

وما زال يردد هذه التصورات في ذهنه حتى جاءه كتاب منها بموت القسيس وضياع السر، وقد أشارت فيه إلى رغبتها في المعيشة معه بوصفها أختا أو صديقة، فتحقق صدق مودتها وبقاءها على العهد فسر سرورا عظيما، ولبث ينتظر عودتها وهو يكرر تلاوة الكتاب وقد استأنس به لأنه هاج أشجانه بعد أن طال زمن الفراق، وكان كلما تلا الكتاب تصور أسماء واقفة بين يديه تخاطبه ويخاطبها. ولكن استئناسه بوجودها لم يطل لاشتغاله بمهام الحرب، فبينما هو ذات يوم في الفسطاط عاصمة الديار المصرية في ذلك الحين إذ جاءته عيونه بخبر أهل الشام، وأنهم حاملون عليه بقيادة عمرو بن العاص.

وكان عمرو قد كاتب محمدا يطلب إليه التسليم، فأرسل محمد الكتاب إلى علي يستنجده فكتب إليه علي أن يجمع شيعته ويندبهم للقتال ووعده بإنفاذ الجيوش لنجدته. فأخذ محمد في التأهب بمن عنده من الرجال، فجهز كنانة بن بشر في ألفين وسار هو في أثره بألفين.

أما عمرو فإنه دخل مصر من الشرقية وجعل يسرح الكتائب كتيبة بعد كتيبة وكنانة يلقى كتائبه ويفرقها ، حتى كاد الفشل يحيط بجنود الشام لو لم تأتهم نجدة قوية بقيادة معاوية بن حديج فاشتد أزرهم.

Shafi da ba'a sani ba