138

Budurwar Quraysh

عذراء قريش

Nau'ikan

فخرج الخادم، وبعد قليل عاد ومعه بعض الزاد مما لا غنى عنه في الطريق، وأخبرها أن السفينة لم تصل ولا يعلم زمن وصولها، وأنه أعد ما تحتاج إليه في الطريق.

فقالت: «نذهب إلى صفين، حتى إذا انقضت الحرب وظللنا على قيد الحياة عدنا إلى أنطاكية، وإلا فعلى الدنيا السلام.»

ولم تمض ساعة حتى ركبت أسماء وركب خادمها في أثرها، وخرجا من المدينة فالتقيا بالنجدة سائرة أمامهما. ففكرت أسماء فيما تستطيع أن تخدم به الإمام علي وهي يد واحدة لا تفيد في القتال فائدة تذكر، فلاح لها أن تخدمه في استطلاع حال العدو وكشف عوراته ومخبآته، ولا يتم لها ذلك إلا إذا اختلطت بجند الشام، وذلك لا يكون إلا إذا تنكرت وانخرطت في سلكه.

وقضت مسافة الطريق وهي تفكر في الأمر، وسبقت نجدة أنطاكية فأطلت في صباح الخميس بعد بضعة أيام على سهل صفين من جبل عال، فهالها ما شاهدته في ذلك السهل من الخيام والأعلام والجند والخيل والجمال، ولم يكن في ذلك الحين قتال. فرأت هناك معسكرين أحدهما في الشرق والآخر في الغرب وبينهما ساحة خالية، فعلمت أنهما معسكرا علي ومعاوية في هدنة، وشاهدت الجمال سارحة في المرعى وراء الخيام ومعها العبيد ترعاها. وتأملت معسكر الشام لأنه أقرب إلى موقفها من ذاك، فرأت في وسطه قبة كبيرة حولها الرجال والخيول فعلمت أنها قبة معاوية أمير تلك الحملة.

وما كادت تتأمل في المعسكرين برهة حتى رأت فيهما حركة وقد تهيئوا جميعا للقتال، والتحم الجيشان وتطايرت النبال وصهلت الخيول وخفقت الأعلام وصاح الفرسان من الجانبين، فلم تر بدا من العمل فقالت لخادمها: «أعطني ثيابك وخذ ثيابي، وابق أنت هنا بالجوادين.»

ارتدت أسماء ثياب خادمها فأصبحت تشبه رجال حملة أنطاكية، ثم انتظرت حتى وصل جنود النجدة فانخرطت في سلكهم وسارت مع المشاة لا ينتبه إليها أحد، حتى دخلت معسكر معاوية والحرب محتدمة وكل لاه بنفسه. وما زالت تخترق صفوف المقاتلين وهي تتظاهر بالقتال معهم، حتى وصلت إلى قبة معاوية فرأت خمسة صفوف من الرجال قد عقلوا أنفسهم بالعمائم حولها للدفاع عن معاوية بحيث لا يستطيع أحد أن يفر وحده. فعلمت أنهم متفانون في سبيل نصرته أو يقتلون في الدفاع عنه، وتفرست من خلال الصفوف فرأت معاوية وإلى جانبه عمرو بن العاص، وكلاهما في وجل وعيونهما تكاد تطير شعاعا تطلعا لما سيكون من عاقبة تلك الوقعة، وهما يحثان الرجال على الدفاع ويحرضانهم على الثبات، والنبال تتطاير كأنها الجراد في السحاب. فاحتالت أسماء في الدخول إلى قبة معاوية، فرأت فارسا جاء مسرعا ودخل من شق بين تلك الصفوف، فدخلت في أثره ودخل غيرها أيضا فلم ينتبه لها أحد، فسمعت معاوية يسأل الفارس عما به، فقال: «إن وطأة العدو شديدة، ولكننا سنغلبهم بإذن الله.»

ونظرت أسماء إلى وجه عمرو بن العاص فإذا هو ممتقع، وقد بان الخوف فيه وفي وجوه معاوية ومن معهما من الأمراء. ثم رأت ابن العاص خرج مسرعا فركب فرسه وسار يخترق الصفوف يحث الرجال ويحرضهم، فظلت واقفة في جملة الوقوف وقد سرت بما رأته من شعور معاوية بقوة رجال علي. وبعد هنيهة عاد عمرو واختلى بمعاوية فلم تسمع أسماء ما دار بينهما، ثم عادا إلى فرسيهما يشرفان على المعركة.

الفصل التاسع عشر

الهدنة والتحكيم

وأصبحوا يوم الجمعة والقتال على أشده، وقد تقهقر جند معاوية حتى وصل رجال علي إلى الصفوف المعقولة حول القبة، فالتفت معاوية إلى عمرو وقال: «ما الحيلة يا عمرو؟» قال: «ارفعوا المصاحف على الرماح وقولوا: «كتاب الله بيننا وبينكم»، فإن قبلوا ذلك جميعا ارتفع القتال عنا، وإذا قبل بعضهم دون البعض الآخر تفرقوا وانقسموا على أنفسهم، فيكون لنا بانقسامهم فرج.»

Shafi da ba'a sani ba