فخجلت أسماء لهذا الإطراء وأطرقت، فقال لها علي: «بورك فيك يا بنية! إني توسمت فيك هذا الخير منذ رأيتك للمرة الأولى. تعالي.»
ثم سار وسارت في أثره وهي مطرقة، وهو في شاغل بأمر الجرحى والأمر بدفن القتلى. ثم علم أن طلحة والزبير قتلا، فأخبرته أسماء بما رأته من مروان فقال: «لا تعجبي ممن كان سبب هذه الفتنة أن يفعل مثل ذلك.»
وظلوا سائرين إلى البصرة حتى دخلوها، فنزل علي في دار العامل بقرب المسجد، وتواردت الناس لمبايعته وقد سلم الأمر له وخلا له الجو.
ونزلت أسماء في تلك الدار مع بعض النسوة ممن جئن مع الإمام، وكانت عرفتهن أثناء إقامتها بالمدينة. وظلت أياما تحاول أن ترى محمدا دون أن تستطيع ذلك، إذ شغله الإمام علي بأمر العناية بأخته أم المؤمنين فلم يكن يستطيع التخلي عنها، فرأت أن تسير هي إليه بحجة زيارة أم المؤمنين.
فلما التقيا سألته عما أقعده عن زيارتها مع علمه أنها كانت جريحة في الدير، فاستغرب قولها وأكد لها أنه لم يعرف عنها شيئا، لأن مسعودا لم يعد إليه وهو لا يعرف مقره، ثم قال: «ها قد انقضت الحرب وانتصر الإمام والحمد لله، وآن لنا السكون والاجتماع.»
فسكتت أسماء وقد أدركت أنه يشير إلى الزواج، ثم قالت: «ولكنني على أهبة السفر إلى الشام.»
قال: «ولماذا؟» قالت: «لأعرف اسم أبي.»
قال: «وكيف ذلك؟ ومن يخبرك عنه؟» فقصت عليه خبر رئيس الدير، فعجب وأصبح أكثر منها اشتياقا لمعرفة أبيها، وارتفع مقامها في عينيه لما علم أنها ابنة أحد كبار الصحابة في المدينة، فقال لها: «لا يبعد أن تكون بيننا قرابة قبل القرابة التي نسعى فيها اليوم.»
فعاودها الخجل، وغيرت مجرى الحديث فقالت: «وكيف أم المؤمنين؟»
قال: «هي في خير، وقد أمرني الإمام بإعداد ما يلزم لسفرها إلى مكة. وها إني أعد ذلك، وقد جهزت لها أربعين امرأة من نساء البصرة المعروفات ليسرن معها، فإذا سافرت ...»
Shafi da ba'a sani ba