114

Budurwar Quraysh

عذراء قريش

Nau'ikan

فاعتدلت أسماء في مجلسها ويدها على جنبها المجروح تضغطه تخفيفا للألم، وأصغت لما يقوله الرئيس.

فقال: «أتذكرين يوم جاءت أمك إلى كنيسة مار يوحنا في دمشق وكنت أنت معها فتركتك مع زوجها خارجا، ودخلت هي لوداع القسيس الشيخ مرقس قسيس الكنيسة ثم خرج بعد ذلك لوداعك؟»

قالت: «نعم يا سيدي، أذكر ذلك الشيخ الهرم وخروجه لوداعنا.»

قال الرئيس: «قد كنت أنا يومئذ ضيفا عنده، فلما عاد رأيت على وجهه آثار القلق فقلت له: «ما بالك؟!» فقال: «إن لهذه المرأة سرا عهدت به إلي منذ بضع وعشرين سنة، وهي الآن شاخصة إلى المدينة لتبوح به هناك، وأخشى لضعفها ومرضها أن تموت قبل وصولها، فإذا حدث ذلك ظل الأمر مكتوما عندي وحدي، وأراني قد شخت وربما دنا أجلي فيذهب السر ضياعا وهو يهم ابنتها التي كانت معها.» فقلت له: «أهو سر اعتراف؟» قال: «نعم». فقلت: «لا سبيل إذن إلى كشفه لي، ولكنني أود أن أعرف موضوعه بحيث لا يكون في ذلك ما يعد إباحة.» فتردد كثيرا قبل أن يجيبني ثم قال: «إن الفتاة التي رأيتها مع هذه المرأة هي ابنتها، وأهل دمشق يظنون هذا الرجل أباها ولكنه ليس كذلك.» فقلت: «ومن هو أبوها إذن؟» قال: «لا أستطيع كشف هذا السر الآن، ولكنه سيظهر بعد قليل لأن المرأة منطلقة بنفسها لكشف أمرها لأصحاب الشأن في يثرب - المدينة - لأن أبا الفتاة الصحيح أحد كبار المسلمين هناك.» ...»

فبغتت أسماء وخفق قلبها، فصعد الدم إلى وجهها فتورد بالرغم من ضعفها، وتطاولت بعنقها لسماع الحديث. فلما وقف الرئيس عند هذا الحد قالت بلهفة: «وما هو اسمه؟!» قال: «لا أعلم يا ابنتي، ولم أسأل القسيس عنه لعلمي أنه لا يبوح به حفظا لسر الاعتراف.»

فبهتت وقد عاد إليها اصفرارها للهفتها وتأثرها وقالت: «وكيف يكون ذلك وأنا لا أعرف يثرب قبل هذه المرة ولم أسمع أمي تذكرها؟!»

قال: «علمت يا ابنتي أن أمك كانت تبالغ في إخفاء هذا الأمر عن كل إنسان، لأنها رومانية الأصل حملها بعض قواد المسلمين الذين فتحوا الشام في جملة السبايا وأهداها إلى أبيك فمكثت عنده بضع ليال. ثم قدم عليها أخوها خلسة وحرضها على الفرار ففرت إلى دمشق، ولم تستطع الظهور خوفا من العيون فيممت مصر فظهر حملها هناك، وقبل أن تضعك طلبت القسيس مرقس وكان في كنيسة المعلقة، وكانت تعرفه من الشام واعترفت له بسرها وذكرت له اسم أبيك. ثم كانت الحرب بمصر ففتحها العرب، وقتل خالك ووقعت أمك بين السبايا ثانية وأنت طفلة، فتزوجها يزيد الذي تعرفينه وأقام بها بدمشق وأنت معها. فلا تعجبي لإغفالها ذكر أبيك لأنها كانت تعد نفسها مجرمة، وتخشى إذا عرف مكانها أن يقتص منها.»

ولم يتم الرئيس كلامه حتى استولت البغتة على أسماء وعرتها الدهشة، ولبثت صامتة وهي تأمل أن يكون الرئيس عارفا اسم أبيها فتوسلت إليه أن يخبرها به، فأكد لها أنه لا يعرفه ثم قال: «إذا لقيت القسيس مرقس في دمشق فإنه يطلعك عليه، وربما أطلعك على أمور كثيرة. فأسرعي إليه حال شفائك قبل أن يقضي أجله لأنه شيخ طاعن في السن، انظري إلى شيخوختي واعلمي أني إذا قيست الأعمار بالسنين كنت أصغر من أولاده.»

وكانت أسماء قد تعبت من الجلوس، فلما يئست من معرفة اسم أبيها من الرئيس غلبها التعب على أمرها، فألقت بنفسها على الفراش وتنهدت تنهدا عميقا وهي صامتة تفكر فيما سمعته، واشتاقت نفسها إلى المسير إلى دمشق لعلها تلقى القسيس فيقص عليها الخبر.

الفصل الخامس عشر

Shafi da ba'a sani ba