ففي ذات ليلة طرق النزل عشاء رجل مسافر، فخرج إليه رب الخان، وكان الطارق فتى هنديا حسن المنظر ظريفه، غالي اللباس نظيفه، يحكم رائيه لأول وهلة أنه ذو نعمة، ومن عائلة شريفة، فحين وقعت عين الرجل عليه ضحك ارتجالا كأبسط الأطفال، ثم صاح بامرأته قائلا: حقا إن السماء تمطرنا هنودا يا بربة؛ حيث لم تكفها ممسوخة الصبح فبعثت لنا بهذا الممسوخ الآخر، وكان للفتى يسير إلمام باللغة المصرية، وكأنما تعلم مبادئها في المدرسة، ثم زادها على المبادئ في سياحته بمصر، ففهم عبارة الرجل وتأثر بها بادئ بدء غير أنه لم يلبث أن استقل عقله، واتهمه بالبساطة.
وإذ كانت الراحة ضالته الوحيدة ركن إلى المداراة، فخاطب الرجل قائلا: إنما أنا طالب راحة أيها الرجل، فإن كان هذا البيت نزلا عموميا، فأنزلني وخذ الأجرة وزيادة، وإن كان منزلا لك خاصا ولأهلك فاقبلني ضيفا شريفا يرعى الحرمة، ويذكر الجميل. قال: نحن أيها الفتى لا نضيف الناس ولا يضيفنا أحد، وإنما هذا خان مستعد لنزول أمثالك، فادخل فخذ راحتك، ثم إنه دخل ودخل الفتى على أثره، فحضرت عندئذ المرأة فعرضت على المسافر ما كان خاليا من غرف الخان، فاختار واحدة منها لمبيته، ثم طلب شيئا من الطعام، واستعجل فقدم له من الحاضر المتهيئ وشرب ودخل بعد ذلك غرفته فنام.
فلما كان قبيل الفجر استيقظ الفتى من نفسه، كما هي عادة سكان البوادي والخلوات، فلم يكد يخلص حواسه من آثار تخدير النوم، حتى سمع شبه أنين، وكان مصدره الغرفة الملاصقة لغرفة نومه، فجعل أذنه على الحائط المشترك، ثم استند إليه ينصت فإذا هو بصوت أنثى، وهي تصل البكاء والأنين، وتقول بلسان هندي مبين (البسيط):
ماذا تريد بإبعادي وإيعادي
يا دهر ما أنت إلا جائر عادي
لم يكفك الرزء في ملكي وفي وطني
وفي شبابي وفي صفوي وأعيادي
فرحت تبعد أحبابي وتقذف بي
مع المخاوف من واد إلى واد
حتى مررت على الأيدي يد فيد
Shafi da ba'a sani ba