ثم سمع ولده الصغير وهو يقول: ما لك يا امه بتعيطي على بويه وهو واقف أهو قدامنا على الخشبة دي، أنا باحسبه إنه سافر، شوفي شوفي أهو قدامنا، ورايح يجي لنا دي الوقت.
ثم صرخ يخاطب أباه قائلا: تعال يا بويه تعال سكت أمي أحسن بتعيط عليك، تعال يا بويه تعال احنا عاوزينك رايح فين؟ وليه واقف كده؟
فاندك قلب الرجل لهذا الصوت العذب المؤثر، وضج الحاضرون بالعويل والبكاء، حتى إن عشماوي مسح عينه بكمه.
ولما سمعت امرأته صوت ابنها اليتيم وقعت أمام أعين زوجها مغشيا عليها كأن رؤية عميد بيتها وزوجها المحبوب على المشنقة لم تؤثر فيها تأثير تلك الكلمات!
فلطمت ست الدار وجهها الذي كان مسودا بالنيلة والتراب، وأكبت على أمها تقول: آه يا امه إوعي تموتي! وبعدين تسيبونا لمين؟
وكان بجانبها خطيبها محمد العبد، فضمها إلى صدره والدموع الغزيرة تنهمل من عينيه، وأخذ يعزيها على هذه المصيبة.
فوقف شعر حسن محفوظ من هول هاتيك المناظر، ثم التفت إلى بيته العزيز، وعائلته التعيسة، وكلبه الأمين، وقال مشيرا إليهم بيد مرتعشة ولسان قوي: الوداع، الوداع يا أولادي الوداع، الوداع يا بيتي ويا بلدتي، الوداع يا ست الدار، الوداع يا كلبي الأمين، ولكم رب اسمه الكريم، ولكن أحلف لكم وأنا على المشنقة أني مظلوم الله، يخرب بيتك يا أحمد يا زايد الله يخرب بيتك. ثم خنقته العبرات عندما رأى ست الدار وقعت مغشيا عليها بين ساعدي خطيبها، ففتح فاه ليشجعها، ولكن في هذه اللحظة هبط عزرائيل بجيوشه فاستقبله عشماوي، وكانت يده أسرع من لسان حسن محفوظ، فحرك اللولب ... فهوى الرجل ميتا وهو يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن سيدنا محمدا رسول الله.
وعند ما هوى، صرخ ابنه صرخة قوية: أبويه وقع! أبويه وقع!
ففتحت امرأة المشنوق عينيها، فرأت زوجها مدلى بين الأرض والسماء، ووجهه جهتها، ولسانه تدلى فوق لحيته البيضاء، ومنظره رهيب مخيف، فأغمضت المرأة ثانية عينيها، وراحت في إغماء شديد.
وعند ذلك ارتفعت الأصوات بالبكاء، وتأثر كل من كان حاضرا بهذا المنظر المؤلم.
Shafi da ba'a sani ba