46

Cizon Kare

عضة كلب: مجموعة قصصية

Nau'ikan

جاء أوتوبيس المدرسة في موعده، وهبط كريم من المركبة تصطحبه المشرفة التي سلمته يدا بيد إلى بواب العمارة، اتصل البواب بالمنزل كي يخبر أمه بعودة كريم كما اعتاد في كل مرة، ولكن أحدا لم يرد على التليفون. كان المصعد معطلا، فتحامل الرجل على نفسه وصعد إلى الشقة في الطابق السادس، دق جرس الباب عدة مرات، ولا أحد يجيب، ظن أنه لا يوجد أحد بالمنزل، فهبط السلم وعاد إلى جلسته على مقعده الخشبي في مدخل العمارة، وأجلس كريم إلى جانبه.

نادرا ما كان كريم يمكث أكثر من ربع الساعة مع البواب في انتظار أمه، ورغم هذا فقد كان يستقبلها باكيا ومعاتبا، في هذه المرة طال انتظاره حتى بدأ يشعر بالخوف، فأخذ يبكي ويعلو صراخه ويرفض كل ما يقدم إليه من حيل لإلهائه. تجمع بعض الجيران يتساءلون عما يحدث، واهتدى أحدهم إلى أنه من الأصوب أن يتصل بي على الفور، وعندما أبلغوا كريم أنني في الطريق إليه صمت بعد عناء، وعاد إلى جلسته بجوار البواب.

المسافة التي كانت تفصل بين منزلي ومقر عملي كانت طويلة، وكان الوقت وقت الذروة، فحاولت الإفلات من الشوارع الرئيسية المزدحمة واللجوء إلى طرق فرعية بديلة، ومع هذا وصلت بعد أكثر من ساعة.

وفقا لما أخبرني به جاري في التليفون، فالأمر بسيط، هكذا ظننت، سوف يهدأ كريم بمجرد رؤيتي، فأحتضنه وأداعبه ونصعد سويا إلى منزلنا، ولن أنسى أن أشكر كل من اهتم بالأمر، لكن ما حدث هو أنني أبصرت حشدا من الناس يسد باب العمارة، وآخرين يتجمعون على الطوار المقابل يراقبون ما يحدث في الناحية الأخرى. انقبض صدري، وأوقفت السيارة كيفما اتفق، وهبطت منها مسرعا واتجهت صوب مدخل العمارة. أسرع البعض يلتفون حولي، لم أفهم ما قالوه، لكن أياديهم التي ربتت على كتفي مستني كصواعق من نار، فاندفعت أشق طريقي بينهم حتى بلغت البوابة. جالت عيناي سريعا في المكان فلم أجد كريم ولا البواب أيضا.

روى لي أحد جيراني ما حدث: أفاق البواب من غفوة قصيرة فلم يجد كريم يجلس إلى جواره على المقعد، فانتفض وظل يجري يمينا ويسارا لكنه لم يعثر عليه، سأل المارة والعاملين في المحال المجاورة فلم يظفر بإجابة مفيدة، أسرع يرتقي درجات السلم وقد تقطعت أنفاسه حتى بلغ سطح العمارة، ولا أثر للطفل. عاد يدق الجرس ثم ظل يهوي بقبضتيه على باب الشقة، ولم يجبه أحد.

انفرجت أساريري للحظة، ربما صعد كريم إلى والدته في غفلة من البواب، لكن الخوف عاد يتملكني سريعا، هل من المعقول أن طرقة رقيقة بيد كريم على باب الشقة أيقظت زوجتي، بينما فشلت كل محاولات البواب؟! المعتاد أنها لا تبرح المنزل في مثل هذا الوقت، فكيف لم تستيقظ مع كل هذه الجلبة؟ صعدت مسرعا ولحق بي بعض الجيران، فتحت الباب فوجدتها قد سقطت على الأرض والدماء تسيل من رأسها. ماذا حل بها هي الأخرى؟ دارت بي الدنيا، فارتميت على كرسي مجاور.

لا أدري من الذي أحضر الطبيب، سألته، أجاب: «غيبوبة سكر داهمتها، فخارت قواها وفقدت الوعي.»

عندما أفاقت زوجتي لمحت في عينيها الحيرة والدهشة؛ فقد كان عدد المحيطين بسريرها يفوق كل توقع. جالت بعينيها في الحجرة ثم جلست تسأل عن ابنها. أخفينا عنها الخبر حتى لا تزداد حالتها الصحية سوءا، وأخبرتها جارة لنا، كما اتفقنا، أنها أبقت على كريم وسط أبنائها كي لا يراها على هذه الحالة، ويبدو ساعتها أنها صدقت ما قيل.

خرجت وصحبني أخي وشقيق زوجتي طاهر لنبدأ رحلة البحث عن كريم، وفي الطريق أبلغت أن زوجتي علمت بحقيقة ما حدث، وأنها نقلت إلى المستشفى في حالة سيئة. وكأن المصائب يستدعي بعضها بعضا.

عندما رأتني أخذت تلطم خديها وتردد: أنا السبب في ضياع كريم.

Shafi da ba'a sani ba