يمنعه أن يجيب الدعوة إلى المصلحين غطرسة، أو سيادة مهددة، أو مصلحة في بقاء القديم ومحاربة الجديد، أو ذهن مغلق لا يتفتح للفهم والتفكير، أو مغامسة للشهوات تحبب إليه أن يستنيم إلى العرف الذي يبيحها ويعزف عن الهداية التي تحظرها وتقف في سبيلها، أو تعصب غضوب للعقيدة التي درج عليها، أو شعور بقوة سلطان تلك العقيدة في أبناء قومه، سواء منهم المتعصبون لها والقابلون لها على المجاراة والمداراة، أو جبن ينهاه أن يخرج على المألوف ويتصدى لسخط الساخطين وإن تبين طريق الاستقامة والسداد، أو إيغال في الشيخوخة يصد الإنسان عن كل تغيير ويميل به إلى كل تواكل ومتابعة وتقليد، أو حداثة سن تجعله تابعا لغيره في الرأي والخليقة وتجعل له شرة تحجبه عن التروية والمراجعة، أو ذلة مطبوعة تلحقه بمن أذله وبسط سلطانه عليه.
فالغطرسة خلة تأبى على صاحبها أن يستمع إلى قول أو يصيخ إلى دعوة، أو يتنزل إلى متابعة إنسان، ترفعا عن الإصغاء قبل أن يهديه الإصغاء إلى موافقة أو إنكار.
والسيادة المهددة توحي إلى صاحبها كراهة التجديد؛ لأنه يحس بالبداهة أن صاحب الجديد أولى منه بالسيادة إن شاع ما جدده بين الناس، فتبطل سيادته ببطلان القديم الذي قامت عليه، وقيام الجديد الذي نسخه وعفاه.
والمصلحة في حالة من الحالات المستقرة تجعل الرجل محبا لتلك الحالة حبه للمنفعة، كارها لتبديلها كراهته للخسارة، ميالا إلى محاربة الدعوة الجديدة قبل أن يبحث فيها ويتعرف وجوه الخير الذي قد يصيبه منها.
والذهن المغلق يجهل ما يقال، ويعادي ما يجهل، وينفر من كل ما يشق عليه، وأول ما يشق عليه أن يفهم شيئا على وجهه السوي، أو يتهيأ للفهم بأية حال. ومغامسة الشهوات تبغض إلى المرء سلوانها والإقلاع عنها، وتقرن عنده دعوات الإصلاح والاستقامة بشؤم التنغيص والتكدير، فيتبرم بها وينزعج لها، كما ينزعج النائم المستغرق أيقظته من نومة لذيذة قد استراح إليها.
والتعصب الغضوب لما اعتقده المرء يثيره أن تمس عقيدته كما يثور لحماية الحوزة أو الذود عن الآباء والأجداد؛ لأنه يحسب عقيدته ملكا له ولآبائه يرد عنها من يهجم عليها، كما يرد صاحب البيت من يهجم عليه.
والعقيدة إذا كانت قوية السلطان غلبت عزتها على عزة العقل والفؤاد، فأصر عليها من كان خليقا أن يعافها ويعرف عيبها لو دعي إلى تركها وهي تتداعى وتتزعزع وتؤذن بالزوال.
والجبن يخيف صاحبه أن يجهر بالحق ويبتعد به عن طريق المخافة، فلا يدنو إلى الصوت الذي عسى أن يقوده إلى الإصغاء فالإيمان فالجهر بما يضير.
والشيخوخة عدو لكل طارق، والحداثة بين طيش يدعو إلى التمرد وطاعة تدعو إلى متابعة الأولياء، والذلة حجاب بين الذليل ونفسه يحجبه وراء من أذله، فلا تصل إليه الدعوة إلا من تلك الطريق.
هذه موانع الإصغاء إلى كل دعاء جديد.
Shafi da ba'a sani ba