معهودان على الخصوص حيثما نهضت أمة من الأمم بجميع قواها وجميع مزاياها، وجميع ما فيها من عدد الأهبة والحيطة وبواعث الإقدام والإحجام.
ولازمان في النهضات على الخصوص حيثما تقدمت النهضة في طريقها واحتجب عنها إمامها وهاديها، وأصبح لزاما بعده أن تتقابل القوى، وتتعاون الجهود.
ومن تمام الدعوة المحمدية أنها كشفت هذه النماذج المتقابلة في الأمة العربية بين عشية وضحاها، فإذا الأمة العربية كلها كأنما هي حشد مستعد بكل عدة، متزود بكل زاد.
ظهر فيها أقطاب الشجاعة وأقطاب الدهاء، وظهر فيها المتقدمون والمتحذرون، وظهر فيها الخياليون والعمليون، وظهر فيها كل طرف وما يقابله من طرف يوازنه ويستند إليه.
وبين هذه النماذج كلها نموذجان من الطراز الأول، يوشك أن يجتمع فيهما كل ما تفرق في غيرهما من الملكات والشمائل والميول.
نموذجان كبيران تغيب في أطوائهما جميع النماذج الصغار.
وهما نموذج الصديق ونموذج الفاروق.
بين هذين الرجلين العظيمين تقابل كثير الشعب متعدد الأنحاء؛ تقابل ينتهي إلى التجاذب والإخاء ولا ينتهي إلى التدافع والنفار؛ لأنهما كانا يحومان معا في نطاق كوكب واحد، أو نظام كوكبي واحد كما تحوم السيارات والأقمار حول شمس واحدة هي لها جميعا مركز أصيل لا تنفصل عنه.
وربما دخل في وجوه التقابل بين هذين الرجلين العظيمين أكثر مما أجملناه من الفوارق التي تختلف بها نماذج الناس؛ العقل والعاطفة، والمحافظة والتجديد، والواقع والمثل الأعلى، وما لا يحصى من الألوان والشيات، والأطراف والحدود.
ولكنها على تعددها واختلافها فوارق متناسبة متوافقة تقبل التلخيص في فارق واحد يطويها في معظم نواحيها، وهو الفارق بين نموذج الاقتداء ونموذج الاجتهاد.
Shafi da ba'a sani ba