فقال: «لأبعثن إليكم أمينا حق أمين» فاستشرف لها الناس، فبعث أبا عبيدة بن الجراح.
وروى أبو بكر هذه القصة حيث قال: «قدم إلينا وفد نجران فقالوا: يا محمد ابعث لنا من يأخذ لك الحق ويعطيناه.»
فقال: «والذي بعثني بالحق لأرسلن معكم القوي الأمين» فما تعرضت للإمارة غيرها. فرفعت رأسي لأريه نفسي، فقال: قم يا أبا عبيدة.
ولقد ساء أبا بكر بعد مبايعته الأولى أن ينقبض أناس عنه فظهر منه الاستياء حيث قال: «أيها الناس! ألست أحق الناس بها؟ ألست أول من أسلم؟»
وغير ذلك - أيضا - لم يكن ليعقله العقل ولا بالذي يجمل بالكريم، فكل رجل كريم يسوءه أن ينقبض أناس عنه وهو جدير منهم بغير الانقباض.
ولكن الغبطة بالخلافة شيء والاحتيال لها بالحيلة والدسيسة شيء آخر، فهذا الذي ننكره؛ لأننا لم نجد دليلا واحدا عليه، ووجدنا أدلة كثيرة على نقيضه.
كذلك دبر أبو بكر وأصحابه كل ما يحمد تدبيره بعد قيامه بالخلافة لتوطيد أركانها وحماية الإسلام غوائل عصيانها والتمرد عليها، وجهدوا أن يفرقوا كل اجتماع يخشون مغبته على وحدة المسلمين؛ فاقترحوا على العباس بن عبد المطلب أن يجعلوا له نصيبا يكون له ولعقبه من بعده ليمنعوا الاتفاق بينه وبين علي ابن أخيه، إن سعى إليهما من يسعى إلى التأليب والتخريب، كما هم أبو سفيان أن يفعل باسم البطون القوية في قريش: بني هاشم وبني أمية، وصنع أبو بكر وأصحابه نظائر ذلك في سبيل الوحدة العربية والجماعة الإسلامية، ولكن الذي صنعوه هو التدبير الواجب الذي لا يضير، وقد يكون في تركه ضير كبير.
لقد كان أبو بكر الخليفة الأول لأنه كان الصديق الأول، ولأن شروط الخلافة التي اجتمعت له لم تجتمع لأحد غيره، وليس له من منازع فيها بين أهل عصره؛ ولأن المزايا التي قد يرجحه بها أنداده وقرناؤه لا تضيع على الإسلام بولايته عليهم ومعونتهم إياه.
فكان اختياره أصح اختيار عرف في تاريخ الولاية، وكانت التوفيقات فيها غنية عن التدبير والتمهيد.
فإن لج بعض المكابرين مع هذا في دعوى التدبير فأنعم به تدبيرا ينقطع به الخلاف، ويتم به أصح استخلاف.
Shafi da ba'a sani ba