وينبغي أن يسأل الناقدون أنفسهم بعد هذا: ماذا كان مصير المسلمين لو ظفرت بهم الأحزاب؟
فالقضاء الذي قضاه النبي في بني قريظة عدل وحكمة وصواب، وما من أحد يقضي غير ذلك القضاء وهو مؤتمن على مصير أمة يرحمها من غدر أعدائها، ومن لددهم في خصومتها، ومن استباحتهم كل منكر في التربص والوثبة بعد الوثبة عليها.
وإن حملة تأديبية واحدة من حملات العصور الحديثة يحملها قوم مسلحون على قوم عزل يذودون عن أوطانهم وحقوقهم، لفيها من البطش والتعذيب ما لم يحدث قط نظير له في عقاب بني قريظة، ولا في جميع الحروب التي نشبت بين النبي عليه السلام وبين أعداء له ولدينه، هم المتفوقون عليه في العدد والثروة والسلاح. •••
إن عبقرية محمد في قيادته لعبقرية ترضاها فنون الحرب، وترضاها المروءة، وترضاها شريعة الله والناس، وترضاها الحضارة في أحدث عصورها، ويرضاها المنصفون من الأصدقاء والأعداء.
الفصل الرابع
عبقرية محمد السياسية
سياسة الخصوم والأتباع
السياسة على معان كثيرة في العرف الحديث ...
فمنها ما يكون بين بعض الدول وبعض من المراسم والعلاقات، ومنها ما يكون بين هذه الدول من معاهدات وخطط في أعمالها الخارجية، ومنها ما يكون بين الراعي ورعيته أو بين الأحزاب والوزارات من برامج ودعوات ... ولكل معنى من هذه المعاني اصطلاحه في العرف الحديث، وإن جمعتها كلمة السياسة في اللغة العربية.
وقد تولى النبي عليه السلام أعمالا كثيرة مما يطلق عليه لفظ السياسة في عموم مدلوله ... ولكننا لا نعرف بينها عملا واحدا هو أدخل في أبواب السياسة، وأجمع لضروبها، وأبعد عن المشاركة في صفة القيادة العسكرية أو صفة الوعظ العلني أو سائر الصفات التي اتصف بها عليه السلام من عهد الحديبية في مراحله جميعا، منذ ابتدأ بالدعوة إلى الحج إلى أن انتهى بنقض الميثاق على أيدي قريش ...
Shafi da ba'a sani ba