ومن الواجب أن نذكر بعد هذا جميعه أن محمدا نبي، وأن النبي يعلم جميع الناس الإيمان، وتلك سبيل جميع الناس فيما يفتح لهم من أبواب التفكير وأبواب الاعتقاد. فهم يضلون في تيه الشكوك والمناقضات التي يتعمق فيها الفلاسفة والمنطقيون، ولا يبلغون إلى هداية أقوم وأسلم من هداية الإيمان بالخالق والتفكير في الخليقة، فإما هذه الهداية وإما الضلال الذي لا هداية وراءه، وليس لنبي أن يحجب طريق الهداية ويفتح طريق الضلال. •••
وقد تكلمنا في هذا الفصل عن روح العبادة أو عن فطرة العابد التي توحي إليه «عبادته الروحية» ...
أما عبادة الشعائر الظاهرة فهي عبادة الإسلام كما فرضت على جميع المسلمين؛ يصلي النبي ويصوم ويحج ويؤدي الزكاة على الشريعة التي يتبعها كل مسلم، وقد يطلب إلى نفسه في هذه العبادات ما ليس يطلبه إلى غيره، على سنة السماحة والتيسير التي أثرت عنه في كل عمل من أعماله وكل سجية من سجاياه ... «فكان أخف الناس صلاة على الناس وأطول الناس صلاة لنفسه»، وربما قام الليل أكثره أو أقله ولا يدين أحدا بالتهجد كما كان يتهجد أو بالصلاة والصيام كما كان يصلي ويصوم، بل قد نهى الناس أن يشتدوا في العبادة؛ فيصبحوا كالمنبت «لا أرضا قطع، ولا ظهرا أبقى»؛ لأن الناس جميعا يتلقون الأمر بالعبادة كما يتلقون الأمر بفريضة واجبة، فهم في حاجة إلى الرفق والتيسير.
أما النفس المفطورة على العبادة فالصلاة عندها مناجاة حب وفرحة لقاء، ومطاوعة لميل الضمير وميل الجوارح على السواء. •••
وكان محمد «إذا حزبه أمر صلى.»
كذلك إذا حزب الأمر نفسا رجعت إلى من تحب فخف وقرها، وانفرج كربها، وأنست بعد وحشة، واهتدت بعد حيرة.
ومتى وجدت النفس «فرحة اللقاء» في الصلاة فلا إجهاد فيها لجسد ولا تضييق فيها لوقت، بل فيها الترويح عن الجهد والتنفيس عن الضيق، ولا سيما إذا كانت النفس من سعة الأفق بحيث تحيي ما تحيي من ليلها ونهارها في الصلاة والعبادة، ثم تؤدي عملها وتفكر تفكيرها. ولا يحسب أحد يعرفها أنها تنقطع بالصلاة والعبادة عن حق من حقوق حياتها، أو عن حق من حقوق بني الإنسان.
الفصل الثالث عشر
الرجل
المختار
Shafi da ba'a sani ba