107

إن الحوادث قد وعظته بها فاتعظ في صبر وأناة. فلم يغلبه لسانه ولم يغلبه هواه، ولم يتحرك لكيد ولا لشغب ولا لمذمة ولا لوقيعة، ولو شاء بعض ذلك لكان له مطمع فيه، وهو الرجل الذي طبقت شهرته آفاق المسلمين وغير المسلمين.

نعم، إنه لا فتنة وابن الخطاب حي كما قال، وإن الفتنة إنما تخشى «إذا كان الناس بذي بلي» أو في معرض الفرقة والنزاع وعصيان الأئمة أو انقطاع الإمام.

ولكن إدراك هذا وحده مفخرة من المفاخر، وليس كل إدراك كهذا الإدراك بالذي يغلب الهوى ويقمع النزوات.

فلا جرم يرشح الفاروق خالدا للخلافة كما رشح لها أبا عبيدة، ولا جرم يعرف سيف الله في الغمد كما عرفه وهو في يمين البطل الجسور. فإن يكن خالد مخشي المزاحمة على الخلافة في ظن من الظنون فليس هو بمخشي عليها وقد وصلت إليه معهودا إليه خالصة من الزحام، وقد استحقها بعد أكبر مستحقيها وريض لها سنوات تجرد فيها من سورة الشباب وبعد ما بينه وبين نشأة الجاهلية، وقرب ما بينه وبين الله. •••

لقد مات - نصير الموت - مطمئنا إلى نهاية حياته، لا يكره منها إلا أنها انتهت به على فراشه.

ولكننا - أبناء آدم - نكره كثيرا ما يكون من حقنا أن نتمناه. وما كان لخالد أمنية قد بقيت له في ميدان الكفاح يتمناها. لقد عرفه الناس حق عرفانه وهو الكريم الشجاع، ولم يبق له إلا أن يعرفوه في ميدان العزلة وهو الشجاع الصبور ...

وقد عرفوه على هذه الصفة في ميدان حمص - ميدان السلم والتسليم - خير عرفان وأجدره بماضيه العظيم وتاريخه الخالد المقيم.

Shafi da ba'a sani ba