سبيل العلم بذلك أن نعلم أولا: هل كان الإمام مستطيعا أن يقر معاوية في عمله بالشام؟ ...
وأن نعلم بعد هذا: هل كان إقراره أدنى إلى السلامة والوفاق لو أنه استطيع؟ ...
وعندنا أن الإمام لم يكن مستطيعا أن يقر معاوية في عمله لسببين: أولهما أنه أشار على عثمان بعزله أكثر من مرة، وكان إقراره وإقرار أمثاله من الولاة المستغلين أهم المآخذ على حكومة عثمان في رأي علي، وذوي الصلاح والاستقامة بين الصحابة، وكثيرا ما اعتذر عثمان من إقرار معاوية بأنه من ولاة عمر بن الخطاب ... فكان علي لا يقبل هذا العذر ولا يزال يقول له: «إنه كان أخوف لعمر بن الخطاب من غلامه «يرفأ» ... ولكنه بعد موت عمر لا يخاف.»
فإذا أقره وقد ولي الخلافة، فكيف يقع هذا الإقرار عند أشياعه؟ ألا يقولون: إنه طالب حكم لا يعنيه إذا وصل إلى بغيته ما كان يقول وما سيقوله الناس؟
وإذا هو أعرض عن رأيه الأول، فهل في وسعه أن يعرض عن آراء الثائرين الذين بايعوه بالخلافة لتغيير الحال، والخروج من حكم عثمان إلى حكم جديد؟ ...
إن هؤلاء الثائرين أشفقوا من نية الصلح مع طلحة والزبير في وقعة الجمل، فبدءوا بالهجوم قبل أن يؤمروا به ... بل هجموا على أهل البصرة وهم مأمورون بالهدنة والأناة، فكيف تراهم يهدءون ويطيعون إذا علموا أن الولايات باقية على حالها، وأن الاستغلال الذي شكوا منه وسخطوا عليه لا تبديل فيه؟ ...
وندع هذا ونزعم أن إقرار معاوية بحيلة من الحيل مستطاع ... فهل هو على هذا الزعم أسلم وأدنى إلى الوفاق؟
كلا ... على الأرجح، بل على الرجحان الذي هو في حكم التحقيق ... لأن معاوية لم يعمل في الشام عمل وال يظل واليا طول حياته، ويقنع بهذا النصيب ثم لا يتطاول إلى ما وراءه، ولكنه عمل فيها عمل صاحب الدولة التي يؤسسها، ويدعمها له ولأبنائه من بعده ... فجمع الأقطاب من حوله، واشترى الأنصار بكل ثمن في يديه، وأحاط نفسه بالقوة والثروة، واستعد للبقاء الطويل، واغتنام الفرصة في حينها ... فأي فرصة هو واجدها خير من مقتل عثمان والمطالبة بثأره؟
وإنما كان مقتل عثمان فرصة لا يضيعها، وإلا ضاع منه الملك وتعرض يوما من الأيام لضياع الولاية، وما كان مثل معاوية بالذي يفوته الخطر من عزله بعد استقرار الأمور، ولو على احتمال بعيد ... فماذا تراه صانعا إذا هو عزل بعد عام من مبايعته لعلي وتبرئته إياه من دم عثمان؟
إنما كان مقتل عثمان فرصة لغرض لا يقبل الإرجاء ...
Shafi da ba'a sani ba