وتكرر بينهما هذا القول وأشباهه في كل لقاء، وطفقا يبدئان منه ويعيدان إليه بعد كل جدال، حتى وقر في خلد الأشعري أن خلع الزعيمين أمر لا مناص منه، ولا اتفاق بينهما على غيره، فتواعدا إلى يوم يعلنان فيه هذا القرار ...
وتقدم أبو موسى فقال بعد تمهيد: «... أيها الناس، إنا قد نظرنا في أمر هذه الأمة، فلم نر أصلح لأمرها ولا ألم لشعثها من أمر قد أجمع رأيي ورأي عمرو عليه، وهو أن نخلع عليا ومعاوية، ونستقبل الأمة بهذا الأمر فيولوا منهم من أحبوا عليهم، وإني قد خلعت عليا ومعاوية، فاستقبلوا أمركم وولوا عليكم من رأيتموه لهذا الأمر أهلا.»
وتلاه عمرو فقال بعد تمهيد: «... إن هذا قال ما سمعتم وخلع صاحبه، وأنا أخلع صاحبه كما خلعه، وأثبت صاحبي معاوية، فإنه ولي عثمان بن عفان - رضي الله عنه - والطالب بدمه وأحق الناس بمقامه.»
فغضب أبو موسى، وصاح به: «ما لك لا وفقك الله غدرت وفجرت، إنما مثلك مثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ...»
فابتسم عمرو، وهو يقول: «إنما مثلك كمثل الحمار يحمل أسفارا ...»
كلب وحمار فيما حكما به على نفسيهما غاضبين، وهما يقضيان على العالم بأسره ليرضى بما قضياه ...
وانتهت المأساة بهذه المهزلة، أو انتهت المهزلة بهذه المأساة.
وبان أن اجتماع الحكمين لم يفض إلى اتفاق بين الحكمين، فعاد الخلاف إلى ما كان عليه ...
إلا أنه استشرى واحتدم بعد قصة الحكمين بما زاد عليه من فتنة الخوارج المنكرين للتحكيم.
فقد أجمعوا وأبرموا فيما بينهم «... إن هذين الحكمين قد حكما بغير ما أنزل الله، وقد كفر إخواننا حين رضوا بهما، وحكموا الرجال في دينهم ونحن على الشخوص من بين أظهرهم، وقد أصبحنا والحمد لله ونحن على الحق من بين هذا الخلق.»
Shafi da ba'a sani ba