فأين - لولا الدعوة المحمدية التي بعثت كوامن العظمة في أمة العرب - كنا نسمع بابن الخطاب؟ وأي موضع له كان من مواضع هذا التاريخ العالمي الذي يزخر بكبار الأسماء؟
إنه الآن اسم يقترن بدولة الإسلام ودولة الفرس ودولة الروم، وكل دولة لها نصيب في التاريخ، فأين كنا نسمع باسم عمر لولا البعثة المحمدية؟!
لقد كان - ولا ريب - خليقا أن يستوي على مكان الزعامة بين بني عدي - آله الأقربين - أو بين قريش - قبيلته الكبرى - ثم ينتهي شأنه هناك، كما انتهى شأن زعماء آخرين، لم نسمع لهم بخبر؛ لأنهم عظموا أو لم يعظموا، يعطون البيئة كفاء ما تطلب من جهد ودراية، وهي تطلب منهم ما يذكرون به في بيئتهم، ولكنها لا تطلب منهم ما يذكرون به في أقطار العالم البعيد.
وقد كان عمر قوي النفس، بالغا في القوة النفسية، ولكنه على قوته البالغة لم يكن من أصحاب الطمع والاقتحام، ولم يكن ممن يندفعون إلى الغلبة والتوسع في الجاه والسلطان بغير دافع يحفزه إليه وهو كاره؛ لأنه كان مفطورا على العدل، وإعطاء الحقوق، والتزام الحرمات ما التزمها الناس من حوله، وكان من الجائز أن يهيجه خطر على قبيلته، أو على الحجاز ومحارمه المقدسة في الجاهلية؛ فينبري لدفعه، ويبلي في ذلك بلاء يتسامع به العرب في جيله وبعد جيله، ولكنه لا يعدو ذلك النطاق، ولا هو يبالي أن يمعن في بلائه حتى يعدوه.
بل كان من الجائز غير هذا وعلى نقيضه.
كان من الجائز أن تفسد تلك القوة بمعاقرة الخمر والانصراف إليها؛ فإنه كان في الجاهلية - كما قال - «صاحب خمر يشربها ويحبها» وهي موبقة،
3
لا تؤمن حتى على الأقوياء إذا أدمنوها، ولم يجدوا من زواجر الدين أو الحوادث ما يصرفهم عنها، ويكفهم عن الإفراط في معاطاتها.
فعمر بن الخطاب الذي عرفه تاريخ العالم وليد الدعوة المحمدية دون سواها، بها عرف، وبغيرها لم يكن ليعرف في غير الحجاز أو الجزيرة العربية.
أما القدرة الأخرى التي يمتاز بها العظيم الذي خلق لتوجيه العظماء، فقد أبان عنها النبي - عليه السلام - في كل علاقة بينه وبين عمر من اللحظة الأولى؛ أي من اللحظة التي سأل الله فيها أن يعز به الإسلام، إلى اللحظة التي ندب فيها أبا بكر للصلاة بالناس وهو - عليه السلام - في مرض الوفاة.
Shafi da ba'a sani ba