تلك صورة مجملة للصفات الخلقية الكبيرة التي كانت غالبة على نفس عمر بن الخطاب، وهي العدل والرحمة والغيرة والفطنة والإيمان.
وأول ما يلاحظ عليها تعدد الصفات الغالبة في نفس واحدة، وصفة واحدة منها قد تغلب على النفس - وليست بصغيرة - فتنعتها بنعتها وتستأثر بتمييزها والدلالة عليها.
ثم يلاحظ عليها أن الصفة منها تتصل بعمر بن الخطاب، فتأخذ منه وتصطبغ بصبغته، حتى كأنها لم تعهد في غيره على شيوعها وكثرة الموسومين بسماتها.
إلا أن هذا وذاك ليس بأعجب الملاحظات، ولا أندرها في هذا السياق، وإنما العجب العاجب حقا هذا التركيب الذي ندر مثيله جدا بين خصائص النفوس، كائنا ما كان نصيب صاحبها من العظمة والامتياز.
وأحرى بنا أن نقول «هذه التركيبة»، ولا نقول «هذا التركيب»؛ لأن صفاته الكبيرة تتركب كما تتركب أجزاء الدواء الذي ينفع لغرض واحد مفهوم، والذي ينقص جزء منه، فينقص نفعه كله، ويدخله التناقض والاختلاط.
إذا نظرت إلى تلك الصفات أجزاء متفرقات، فهي سهلة بسيطة، ليس فيها شيء عويص، أو مكتنف بغموض.
ولكنك تنظر إليها مركبة متناسقة، فيبدو لك منها جانب الدهشة والإعجاز، أو جانب الندرة التي يعز تكرارها في طبائع النفوس؛ لأنها تتركب لاستيفاء الغرض منها جميعا، واستيفاء الغرض في كل منها على حدة، وهذا هو النادر جد الندرة في تركيب الأخلاق.
ما العدل مثلا بغير الرحمة التي تمزجه بالإحسان؟! وما العدل والرحمة معا بغير الحماسة الروحية، والغيرة اليقظى التي تجعل كراهة المرء للظلم كأنها كراهة الضرر الذي يصيبه في نفسه وآله، وتجعل حبه للعدل كأنه حب هواه، وقبلة مناه؟! وما العدل والرحمة والغيرة جميعا بغير فطنة تضع الأمور في مواضعها، وتعصم المرء أن ينخدع لمن لا يستحق، ويغفل عمن يستحق وهو حسن القصد غير متهم الضمير؟! وما العدل والرحمة والغيرة والفطنة بغير الإيمان الذي هو الرقيب الأعلى فوق كل رقيب، والوازع الأخير بعد كل وازع، والمرجع الذي لا مرجع بعده لطالب الإنصاف؟!
كل صفة تتمة لجميع الصفات.
وكل الصفات روافد لغرض واحد، يتم به نصر الحق وخذلان الباطل.
Shafi da ba'a sani ba