فخرج الحاجب وعاد والكتاب بيده، فسلمه إلى الأمير، فتناوله وهو يجلس، وفضه وحول وجهه نحو نافذة يدخل منها النور، وأخذ يقرؤه وقد توقفت عابدة عن الغناء، وأخذت تراقبه، فرأت على وجهه تغيرا وهو يتفرس في الكتاب ويعيد قراءته، ثم اعتدل في مجلسه وطوى الكتاب وجعله تحت الوسادة، وأراد التظاهر بعدم الاكتراث، ولم يخف على عابدة ما تولاه من الاضطراب، ولكنها لم تعرف السبب، فرأت من الأدب أن تبقى صامتة تنتظر أمره.
أما الأمير عبد الله، فإنه بعد أن أطرق برهة وقف وتظاهر أنه يطلب حاجة في الغرفة الأخرى، فمشى نحو الباب ثم رجع كأنه تذكر شيئا يستدعي رجوعه، وجلس في مكانه وعاد فأخرج الكتاب من تحت الوسادة وأعاد قراءته، ثم شعر بما ظهر من قلقه بين يدي عابدة، فأراد أن يوهمها بغير الواقع فقال: «ما بالك لا تغنين يا عابدة؟»
فتناولت العود، وقالت: «خشيت أن أشغل مولاي عن قراءة الكتاب، ولعل فيه ما يهمه أو يدعو إلى إعمال الفكر فيشوش عليه عودي.»
قال الأمير عبد الله: «ليس فيه شيء.» وبدا الانقباض على وجهه، ثم قال: «غني يا عابدة. غني ما شئت.»
فأخذت عابدة العود وغنت أغنية أخرى، فأوقفها الأمير عبد الله وقال: «غني قول عمرو بن كلثوم الذي ذكرته بالأمس:
إذا ما الملك سام الناس خسفا
أبينا أن نقر الخسف فينا
ألا لا يجهلن أحد علينا
فنجهل فوق جهل الجاهلينا»
فأدركت من طلبه أن في الأمر سرا غاظه، وكانت قد علمت أن الكتاب جاءه من أخيه ففهمت بعض الشيء، فأخذت تغني وتجود وهو يترنح لها والغضب ظاهر على محياه.
Shafi da ba'a sani ba